ذكر سجستان عصيان أهل
وفي السنة عصى أهل سجستان على أميرهم خلف بن أحمد ، وكان خلف هذا هو صاحب سجستان حينئذ ، وكان عالما محبا لأهل العلم ، فاتفق أنه حج سنة ثلاث وخمسين ثلاثمائة ، واستخلف على أعماله إنسانا من أصحابه يسمى ، فطمع في الملك ، وعصى على طاهر بن الحسين خلف لما عاد من الحج ، فسار خلف إلى بخارى ، واستنصر بالأمير منصور بن نوح ، وسأله معونته ، ورده إلى ملكه ، فأنجده وجهز معه العساكر ، فسار بهم نحو سجستان ، فلما أحس بهم طاهر ، فارق مدينة خلف وتوجه نحو اسفرار ، وعاد خلف إلى قراره وملكه وفرق العساكر .
فلما علم طاهر بذلك ، عاد إليه ، وغلب على سجستان ، وفارقها خلف ، وعاد إلى حضرة الأمير منصور أيضا ببخارى ، فأكرمه وأحسن إليه ، وأنجده بالعساكر الكثيرة ، ورده [ ص: 257 ] إلى سجستان ، فوافق وصوله موت طاهر ، وانتصاب ابنه الحسين مكانه ، فحاصره خلف وضايقه ، وكثر بينهم القتلى ، واستظهر خلف عليه ، فلما رأى ذلك كتب إلى بخارى يعتذر ويتنصل ، ويظهر الطاعة ، ويسأل الإقالة ، فأجابه الأمير منصور إلى ما طلبه ، وكتب في تمكينه من المسير إليه فسار من سجستان إلى بخارى ، فأحسن الأمير منصور إليه .
واستقر خلف بن أحمد بسجستان ، ودامت أيامه فيها ، وكثرت أمواله ورجاله ، فقطع ما كان يحمله إلى بخارى من الخلع والخدم والأموال التي استقرت القاعدة عليها ، فجهزت العساكر إليه ، وجعل مقدمها الحسن بن طاهر بن الحسين المذكور ، فساروا إلى سجستان ، وحصروا خلف بن أحمد بحصن أرك ، وهو من أمنع الحصون وأعلاها محلا وأعمقها خندقا ، فدام الحصار عليه سبع سنين .
وكان خلف يقاتلهم بأنواع السلاح ، ويعمل بهم أنواع الحيل ، حتى إنه كان يأمرهم بصيد الحيات ويجعلها في جراب ويقذفها في المنجنيق إليهم ، فكانوا ينتقلون لذلك من مكان إلى مكان .
فلما طال ذلك الحصار ، وفنيت الأموال والآلات ، كتب نوح بن منصور إلى أبي الحسن بن سيمجور الذي كان أمير جيوش خراسان ، وكان حينئذ قد عزل عنها على ما سنذكره ، يأمره بالمسير إلى خلف ومحاصرته ، وكان بقوهستان ، فسار منها إلى سجستان ، وحصر خلفا ، وكان بينهما مودة ، فأرسل إليه أبو الحسن يشير عليه بالنزول عن حصن أرك وتسليمه إلى الحسين بن طاهر ، ليصير لمن قد حصره من العساكر طريق وحجة يعودون بها إلى بخارى ، فإذا تفرقت العساكر عاود هو محاربة الحسين ( وبكر بن الحسين مفردا من ) العساكر ، فقبل خلف مشورته ، وفارق حصن أرك إلى حصن الطارق ، ودخل أبو الحسن السيمجوري إلى أرك ، وأقام به الخطبة للأمير نوح ، وانصرف عنه ، وقرر الحسين بن طاهر فيه .
وسنورد ما يتجدد فيما بعد ، وكان هذا أول وهن دخل على دولة السامانية ، فطمع أصحاب الأطراف فيهم لسوء طاعة أصحابهم لهم ، وقد كان ينبغي أن نورد كل حادث من [ ص: 258 ] هذه الحوادث في سنته ، لكننا جمعناه لقلته ، فإنه كان ينسى أوله لبعد ما بينه وبين آخره .