ذكر المعز لدين الله العلوي والقرامطة في هذه السنة سار الحرب بين القرامطة ، ومقدمهم الحسن بن أحمد ، من الأحساء إلى ديار مصر فحصرها ، ولما سمع صاحب المعز لدين الله مصر بأنه يريد قصد مصر كتب إليه كتابا يذكر فيه فضل نفسه وأهل بيته ، وأن الدعوة واحدة ، وأن القرامطة إنما كانت دعوتهم إليه ، وإلى آبائه من قبله ، ووعظه وبالغ ، وتهدده ، وسير الكتاب إليه .
فكتب جوابه : وصل كتابك الذي قل تحصيله وكثر تفضيله ، ونحن سائرون إليك على أثره ، والسلام .
وسار حتى وصل إلى مصر ، فنزل على عين شمس بعسكره ، وأنشب القتال ، وبث [ ص: 319 ] السرايا في البلاد ينهبونها فكثرت جموعه ، وأتاه من العرب خلق كثير ، وكان ممن أتاه حسان بن الجراح الطائي ، أمير العرب بالشام ، ومعه جمع عظيم .
فلما رأى المعز كثرة جموعه استعظم ذلك وأهمه ، وتحير في أمره ، ولم يقدم على إخراج عسكره لقتاله ، فاستشار أهل الرأي من نصحائه ، فقالوا : ليس حيلة غير السعي في تفريق كلمتهم ، وإلقاء الخلف بينهم ، ولا يتم ذلك إلا بابن الجراح ، فراسله المعز واستماله ، وبذل له مائة ألف دينار إن هو خالف على القرمطي ، فأجابه ابن الجراح إلى ما طلب منه ، فاستحلفوه ، فحلف أنه إذا وصل إليه المال المقرر انهزم بالناس .
فأحضروا المال ، فلما رأوه استكثروه ، فضربوا أكثرها دنانير من صفر ، وألبسوها الذهب ، وجعلوها في أسفل الأكياس ، وجعلوا الذهب الخاص على رءوسها ، وحمل إليه ، فأرسل إلى المعز أن يخرج في عسكره يوم كذا ويقاتلوه وهو في الجهة الفلانية فإنه ينهزم ، ففعل المعز ذلك فانهزم وتبعه العرب كافة ، فلما رآه منهزما تحير في أمره ، وثبت ، وقاتل بعسكره إلا أن عسكر الحسن القرمطي المعز طمعوا فيه وتابعوا الحملات عليه من كل جانب ، فأرهقوه ، فولى منهزما ، واتبعوا أثره ، وظفروا بمعسكره فأخذوا من فيه أسرى ، وكانوا نحو ألف وخمسمائة أسير ، فضربت أعناقهم ، ونهب ما في المعسكر .
وجرد المعز القائد أبو محمد بن إبراهيم بن جعفر في عشرة آلاف رجل ، وأمره باتباع القرامطة بهم ، فاتبعهم ، وتثاقل في سيره خوفا أن ترجع القرامطة إليه ، وأما هم فإنهم ساروا حتى نزلوا أذرعات ، وساروا منهم إلى بلدهم الأحساء ، ويظهرون أنهم يعودون .