ذكر إلى ابن أبي عامر الفرنج بالأندلس غزو
لما رأى أهل الأندلس فعل صنهاجة حسدوهم ، ورغبوا في الجهاد ، وقالوا للمنصور بن أبي عامر : لقد نشطنا هؤلاء للغزو . فجمع الجيوش الكثيرة من سائر الأقطار ، وخرج إلى الجهاد ، وكان رأى في منامه ، تلك الليالي ، كأن رجلا أعطاه الأسبراج ، فأخذه من يده وأكل منه ، فعبره على ابن أبي جمعة ، فقال له : اخرج إلى بلد إليون فإنك ستفتحها فقال : من أين أخذت هذا ؟ فقال : لأن الأسبراج يقال له في المشرق الهليون ، فملك الرؤيا قال لك : ها ليون .
فخرج إليها ونازلها ، وهي من أعظم مدائنهم ، واستمد أهلها الفرنج ، فأمدوهم بجيوش كثيرة ، واقتتلوا ليلا ونهارا ، فكثر القتل فيهم ، وصبرت صنهاجة صبرا عظيما ، ثم خرج قومص كبير من الفرنج لم يكن لهم مثله ، فجال بين الصفوف وطلب البراز ، فبرز إليه جلالة بن زيري الصنهاجي فحمل كل واحد منهما على صاحبه ، فطعنه الفرنجي فمال عن الطعنة وضربه بالسيف على عاتقه فأبان عاتقه ، فسقط الفرنجي إلى الأرض ، وحمل المسلمون على النصارى ، فانهزموا إلى بلادهم ، وقتل منهم ما لا يحصى ( وملك المدينة ) .
[ ص: 401 ] وغنم غنيمة عظيمة لم ير مثلها ، واجتمع من السبي ثلاثون ألفا ، وأمر بالقتلى فنضدت بعضها على بعض ، وأمر مؤذنا أذن فوق القتلى المغرب ، وخرب مدينة ابن أبي عامر قامونة ، ورجع سالما هو وعساكره .