ذكر ملك الترك  بخارى   
في هذه السنة ملك مدينة بخارى  شهاب الدولة هارون بن سليمان أيلك المعروف ببغراخان التركي  ، وكان له كاشغر  وبلاساغون  إلى حد الصين    . 
وكان سبب ذلك أن  أبا الحسن بن سيمجور  لما مات وولي ابنه  أبو علي  خراسان  بعده ، كاتب الأمير الرضي  نوح بن منصور  يطلب أن يقره على ما كان أبوه يتولاه ، فأجيب إلى ذلك ، وحملت إليه الخلع ، وهو لا يشك أنها له ، فلما بلغ الرسول طريق هراة عدل إليها ، وبها فائق ، فأوصل الخلع والعهد بخراسان  إليه ، فعلم  أبو علي  أنهم مكروا به ، وأن هذا دليل سوء يريدونه به ، فلبس فائق الخلع وسار عن هراة  نحو  أبي علي  فبلغه الخبر ، فسار جريدة في نخبة أصحابه ، وطوى المنازل حتى سبق خبره ، فأوقع  بفائق  فيما بين بوشنج  وهراة  ، فهزم  فائقا  وأصحابه ، وقصدوا مرو الروذ    . 
 [ ص: 459 ] وكتب  أبو علي  إلى الأمير  نوح  يجدد طلب ولاية خراسان  ، فأجابه إلى ذلك ، وجمع له ولاية خراسان  جميعها بعد أن كانت هراة لفائق ، فعاد  أبو علي  إلى نيسابور  ظافرا ، وجبى أموال خراسان  ، فكتب إليه نوح يستنزله عن بعضها ليصرفه في أرزاق جنده ، فاعتذر إليه ولم يفعل ، وخاف عاقبة المنع ، فكتب إلى  بغراخان  المذكور يدعوه إلى أن يقصد بخارى  ويملكها على السامانية  ، وأطمعه فيهم ، واستقر الحال بينهما على أن يملك  بغراخان  ما وراء النهر كله ، ويملك  أبو علي  خراسان  ، فطمع  بغراخان  في البلاد ، وتجدد له إليها حركة . 
وأما  فائق  فإنه أقام بمرو الروذ  حتى انجبر كسره واجتمع إليه أصحابه وسار نحو بخارى  من غير إذن ، فارتاب  الأمير نوح  به ، فسير إليه الجيوش وأمرهم بمنعه ، فلما لقوه قاتلوه ، فانهزم  فائق  وأصحابه ، وعاد على عقبيه ، وقصد ترمذ    . فكتب  الأمير نوح  إلى صاحب الجوزجان من قبله ، وهو  أبو الحرث أحمد بن محمد الفريغوني  ، وأمره بقصد  فائق  فجمع جمعا كثيرا وسار نحوه ، فأوقع بهم  فائق  فهزمهم وغنم أموالهم . 
وكاتب أيضا  بغراخان  يطمعه في البلاد ، فسار نحو بخارى  وقصد بلاد السامانية  ، فاستولى عليها شيئا بعد شيء فسير إليه  نوح  جيشا كثيرا ، واستعمل عليهم قائدا كبيرا من قواده اسمه  انج  ، فلقيهم  بغراخان  ، فهزمهم ، وأسر  انج  وجماعة من القواد ، فلما ظفر بهم قوي طمعه في البلاد ، وضعف  نوح  وأصحابه ، وكاتب  الأمير نوح  أبا علي بن سيمجور  يستنصره ، ويأمره بالقدوم إليه بالعساكر ، فلم يجبه إلى ذلك ، ولا لبى دعوته ، ( وقوي طمعه ) في الاستيلاء على خراسان    . 
وسار  بغراخان  نحو بخارى  ، فلقيه  فائق  ، واختص به ، وصار في جملته ونازلوا بخارى  ، فاختفى  الأمير نوح  ، وملكها  بغراخان  ونزلها ، وخرج  نوح  منها مستخفيا فعبر النهر إلى آمل الشط ، وأقام بها ولحق به أصحابه ، فاجتمع عنده منهم جمع كثير ، وأقاموا هناك . 
 [ ص: 460 ] وتابع  نوح  كتبه إلى  أبي علي  ورسله يستنجده ويخضع له ، فلم يصغ إلى ذلك . وأما  فائق  فإنه استأذن  بغراخان  في قصد  بلخ  والاستيلاء عليها ، فأمره بذلك ، فسار نحوها ونزلها . 
				
						
						
