فصل 
فلما نزلت آية الجزية ، أخذها صلى الله عليه وسلم من ثلاث طوائف : من المجوس ، واليهود  ، والنصارى   ، ولم يأخذها من عباد الأصنام . فقيل : لا يجوز أخذها من كافر غير هؤلاء ، ومن دان بدينهم ، اقتداء بأخذه وتركه . وقيل بل تؤخذ من أهل الكتاب وغيرهم من الكفار كعبدة الأصنام من العجم دون العرب ، والأول : قول  الشافعي  رحمه الله وأحمد  في إحدى روايتيه . والثاني : قول أبي حنيفة ، وأحمد  رحمهما الله في الرواية الأخرى . 
وأصحاب القول الثاني : يقولون إنما لم يأخذها من مشركي العرب  ؛ لأنها إنما نزل فرضها بعد أن أسلمت دارة العرب ، ولم يبق فيها مشرك ، فإنها نزلت بعد فتح مكة  ، ودخول العرب في دين الله أفواجا ، فلم يبق بأرض العرب مشرك ، ولهذا غزا بعد الفتح تبوك  ، وكانوا نصارى ، ولو كان بأرض العرب مشركون ، لكانوا يلونه ، وكانوا أولى بالغزو من الأبعدين . 
ومن تأمل السير ، وأيام الإسلام ، علم أن الأمر كذلك ، فلم تؤخذ منهم الجزية لعدم من يؤخذ منه ، لا لأنهم ليسوا من أهلها ، قالوا : وقد أخذها من المجوس ، وليسوا بأهل كتاب ولا يصح أنه ( كان لهم كتاب ورفع ) وهو حديث لا يثبت مثله ، ولا يصح سنده . 
ولا فرق بين عباد النار ، وعباد الأصنام بل أهل الأوثان أقرب حالا من عباد النار ، وكان فيهم من التمسك بدين إبراهيم  ما لم يكن في عباد النار ، بل عباد النار أعداء إبراهيم  الخليل ، فإذا أخذت منهم الجزية فأخذها من عباد الأصنام أولى ، وعلى ذلك تدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت عنه في " صحيح  مسلم   " أنه  [ ص: 140 ] قال : ( إذا لقيت عدوك من المشركين ، فادعهم إلى إحدى خلال ثلاث ، فأيتهن أجابوك إليها ، فاقبل منهم ، وكف عنهم " . ثم أمره أن يدعوهم إلى الإسلام ، أو الجزية أو يقاتلهم  ) . 
وقال المغيرة  لعامل كسرى : ( أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله ، أو تؤدوا الجزية  ) . 
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش   : ( هل لكم في كلمة تدين لكم بها العرب ، وتؤدي العجم إليكم بها الجزية . قالوا : ما هي ؟ قال " لا إله إلا الله ) . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					