فصل
في بيان . ما أمر الله به ورسوله من إقامة الصلاة وإتمامها والطمأنينة فيها
قال الله تعالى في غير موضع من كتابه : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) [ ص: 49 ] .
[ البقرة : 43 ، 83 ، 110 ، والنساء : 76 ، ويونس : 87 ، والحج : 78 ، والنور : 56 ، والروم : 31 ، والمجادلة : 13 ، والمزمل : 31 ] .
وقال تعالى : ( إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين ) [ المعارج ] ، وقال تعالى : ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون ) [ المؤمنون ] .
وقال تعالى : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) [ البقرة ] ، وقال تعالى : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) [ مريم ] ، وقال تعالى : ( فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) [ النساء : 103 ] ، وقال تعالى : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) [ البقرة ] ، وسيأتي بيان الدلالة في هذه الآيات .
وقد أخرج البخاري في الصحيحين ، وأخرج أصحاب السنن - ومسلم أبو داود والترمذي والنسائي - وأصحاب المسانيد كمسند وابن ماجه أحمد وغير ذلك من أصول الإسلام ، عن رضي الله عنه : أبى هريرة . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد ، فدخل رجل ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : ارجع فصل فإنك لم تصل ، فرجع الرجل فصلى كما كان صلى ثم سلم عليه ، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : وعليك السلام ، ثم قال : ارجع فصل فإنك لم تصل ، حتى فعل ذلك ثلاث مرات ، فقال الرجل : والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا ، فعلمني ، قال : إذا قمت إلى الصلاة [ ص: 50 ] فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم اجلس حتى تطمئن جالسا ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها
وفي رواية : للبخاري ، فكبر واقرأ بما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تستوي وتطمئن جالسا ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تستوي قائما ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها . إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة .
وفي رواية له : ، وباقيه مثله ، وفي رواية : ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تستوي قائما . وإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك ، وما انتقصت من هذا فإنما انتقصته من صلاتك
وعن رفاعة بن رافع رضي الله عنه : " أن رجلا دخل المسجد - فذكر الحديث وقال فيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ، وفي رواية : إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه ، ثم يكبر ويحمد الله عز وجل ويثني عليه ، ويقرأ بما شاء من القرآن ، ثم يقول : الله أكبر ، ثم يركع حتى يطمئن راكعا ، ثم يقول: الله أكبر ، ثم يرفع رأسه حتى [ ص: 51 ] يستوي قائما ، ثم يسجد حتى يطمئن ساجدا ، ثم يقول: الله أكبر ، ثم يرفع رأسه حتى يستوي قاعدا ، ثم يقول: الله أكبر ، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله ، ثم يرفع رأسه فيكبر ، فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته ، رواه أهل السنن إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله عز وجل ، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ، ثم يكبر الله ويحمده ، ثم يقرأ من القرآن ما أذن له وتيسر - وذكر نحو اللفظ الأول وقال - : ثم يكبر فيسجد فيمكن وجهه - وربما قال : جبهته - من الأرض حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ، ثم يكبر فيستوي قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه - فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات حتى فرغ ثم قال - : لا تتم صلاة لأحدكم حتى يفعل ذلك أبو داود والنسائي ، وابن ماجه وقال : حديث حسن ، والروايتان لفظ والترمذي أبي داود .
وفي رواية ثالثة له : . وفي رواية أخرى : قال : قال : إذا قمت فتوجهت إلى القبلة فكبر ، ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ ، فإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك ، وقال : إذا سجدت فمكن لسجودك ، فإذا رفعت فاقعد على فخذك اليسرى ، وقال فيه : إذا أنت قمت في صلاتك فكبر الله عز وجل ، ثم اقرأ ما تيسر عليك من القرآن ، وفي رواية أخرى : قال : فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وافترش [ ص: 52 ] فخذك اليسرى ثم تشهد ، ثم إذا قمت فمثل ذلك حتى تفرغ من صلاتك " . وقال فيه : فتوضأ كما أمرك الله ، ثم تشهد فأتم ، ثم كبر ، فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله عز وجل وكبره وهلله . وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك
فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر ذلك المسيء في صلاته بأن يعيد الصلاة وأمر الله ورسوله إذا أطلق كان مقتضاه الوجوب ، وأمره إذا قام إلى الصلاة بالطمأنينة ، كما أمره بالركوع والسجود وأمره المطلق على الإيجاب .
وأيضا قال له : " فإنك لم تصل " ، فنفى أن يكون عمله الأول صلاة ، والعمل لا يكون منفيا إلا إذا انتفى شيء من واجباته ، فأما إذا فعل كما أوجبه الله عز وجل ؛ فإنه لا يصح نفيه لانتفاء شيء من المستحبات التي ليست بواجبة .
وأما ما يقوله بعض الناس : إن هذا نفي للكمال ، كقوله : ، فيقال له : نعم هو لنفي الكمال ، لكن لنفي كمال الواجبات أو لنفي كمال المستحبات ؟ لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد
فأما الأول : فحق ، وأما الثاني : فباطل ، لا يوجد مثل ذلك في [ ص: 53 ] كلام الله عز وجل ولا في كلام رسوله قط ، وليس بحق . فإن الشيء إذا كملت واجباته فكيف يصح نفيه ؟ .
وأيضا فلو جاز لجاز نفي صلاة عامة الأولين والآخرين ؛ لأن كمال المستحبات من أندر الأمور .
وعلى هذا : فما جاء من نفي الأعمال في الكتاب والسنة فإنما هو لانتفاء بعض واجباته ، كقوله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) [ النساء ] ، وقوله تعالى : ( ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ) [ النور ] ، وقوله تعالى : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ) [ الحجرات : 15 ] الآية ، وقوله : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ) [ النور : 62 ] الآية ، ونظائر ذلك كثيرة .
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ، لا إيمان لمن لا أمانة له و لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ، . و لا صلاة إلا بوضوء
[ ص: 54 ] وأما قوله : ، فهذا اللفظ قد قيل : إنه لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد : أنه رواه بإسناد كلهم ثقات ، وبكل حال فهو مأثور عن عبد الحق الإشبيلي علي رضي الله عنه ، ولكن نظيره في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : فلا صلاة له سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر . من
ولا ريب أن هذا يقتضي أن : من الواجبات ، كما ثبت في الصحيح : إجابة المؤذن المنادي والصلاة في جماعة قال : يا رسول الله إني رجل شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني ، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي ؟ قال : هل تسمع النداء ؟ قال : نعم ، قال : ما أجد لك رخصة ابن أم مكتوم . أن