وأشنع من هذا : استحباب بعض أصحاب لمن سعى بين الشافعي الصفا والمروة أن يصلي ركعتين بعد السعي على المروة ، قياسا على الصلاة بعد الطواف . وقد أنكر ذلك سائر العلماء من أصحاب ، وسائر الطوائف ، ورأوا أن هذه بدعة ظاهرة القبح . فإن السنة مضت بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه طافوا وصلوا ، كما ذكر الله الطواف والصلاة ، ثم سعوا ولم يصلوا عقب السعي . فاستحباب الشافعي كاستحبابها عند الجمرات ، أو بالموقف الصلاة عقب السعي بعرفات ، أو جعل الفجر أربعا قياسا على الظهر . والترك الراتب : سنة ، كما أن الفعل الراتب : سنة ، بخلاف ما كان تركه لعدم مقتض ، أو فوات شرط ، أو وجود مانع ، وحدث بعده من المقتضيات والشروط وزوال المانع ، ما دلت الشريعة على فعله حينئذ ، كجمع القرآن في المصحف ، وجمع الناس في التراويح على إمام واحد ، وتعلم العربية ، وأسماء النقلة للعلم وغير ذلك مما يحتاج إليه في الدين ، بحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به ، وإنما تركه - صلى الله عليه وسلم - لفوات شرطه أو وجود مانع .
فأما ما تركه من جنس العبادات ، مع أنه لو كان مشروعا لفعله أو أذن فيه ولفعله الخلفاء بعده والصحابة : فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة ، ويمتنع القياس بمثله ، وإن جاز القياس في النوع الأول . وهو مثل قياس صلاة العيدين والاستسقاء والكسوف على الصلوات الخمس في أن يجعل لها أذان وإقامة ، كما فعله بعض [ ص: 151 ] المروانية في العيدين . وقياس حجرته ونحوها من مقابر الأنبياء على بيت الله في الاستلام والتقبيل ونحو ذلك من الأقيسة التي تشبه قياس الذين حكى الله عنهم أنهم قالوا : ( إنما البيع مثل الربا ) [ البقرة : 275 ] .