وكذلك اختلفوا في كما هو العادة غالبا . فقال قوم من المتأخرين : يجوز ذلك ؛ لأن بيع أصول الخضراوات ، كبيع الشجر ، وإذا المقاثي إذا بيعت بأصولها جاز فكذلك هذا ، وذكر أن هذا مذهب باع الشجرة وعليها الثمر لم يبد صلاحه أبي حنيفة . والشافعي
[ ص: 180 ] وقال المتقدمون : لا يجوز بحال ، وهو معنى كلامه ومنصوصه . وهو إنما نهى عما يعتاده الناس ، وليست العادة جارية في البطيخ والقثاء والخيار أن يباع دون عروقه ، والأصل الذي قاسوا عليه ممنوع عنده ، فإن المنصوص عنه في رواية الأثرم ، وإبراهيم بن الحارث في الشجر الذي عليه ثمر لم يبد صلاحه : أنه إن كان الأصل هو مقصوده الأعظم جاز ، وأما إن كان مقصوده الثمرة ، فاشترى الأصل معها حيلة : لم يجز ، وكذلك إذا ، فإن كانت الأرض هي المقصود : جاز دخول الثمر والزرع معها تبعا ، وإن كان المقصود هو الثمر والزرع ، فاشترى الأرض لذلك : لم يجز ، وإذا كان هذا قوله في ثمرة الشجر ، فمعلوم أن المقصود من المقاثي والمباطخ : إنما هو الخضراوات ، دون الأصول التي ليس لها إلا قيمة يسيرة بالنسبة إلى الخضر . اشترى أرضا وفيها زرع أو شجر مثمر لم يبد صلاحه
وقد خرج ابن عقيل وغيره فيها وجهين :
أحدهما : جواز ، بناء على إحدى الروايتين عنه في بيع ما لم يره . ولا شك أنه ظاهر ، فإن المنع إنما يكون على قولنا : لا يصح بيع ما لم يره ، فإذا صححنا بيع الغائب فهذا من الغائب . بيع المغيبات
والثاني : أنه يجوز بيعها مطلقا ، كمذهب مالك إلحاقا لها بلب الجوز ، وهذا القول هو قياس أصول أحمد وغيره لوجهين :
أحدهما : أن أهل الخبرة يستدلون برؤية ورق هذه المدفونات على حقيقتها ويعلمون ذلك أجود مما يعلمون العبد برؤية وجهه ، والمرجع في كل شيء إلى الصالحين من أهل الخبرة به ، وهم يقرون [ ص: 181 ] بأنهم يعرفون هذه الأشياء كما يعرف غيرها مما اتفق المسلمون على جواز بيعه وأوكد .
الثاني : أن هذا مما تمس حاجة الناس إلى بيعه . فإنه إذا لم يبع حتى يقلع ، حصل على أصحابه ضرر عظيم ، فإنه قد يتعذر عليهم مباشرة القلع والاستنابة فيه ، وإن قلعوه جملة فسد بالقلع ، فبقاؤه في الأرض كبقاء الجوز واللوز ونحوهما في قشره الأخضر .
وأحمد وغيره من فقهاء الحديث يجوزون مع ما فيها من المزابنة لحاجة المشتري إلى أكل الرطب ، أو البائع إلى أكل الثمر ، فحاجة البائع هنا أوكد بكثير ، وسنقرر ذلك إن شاء الله . العرايا
وكذلك قياس أصول أحمد وغيره من فقهاء الحديث : جواز بيع المقاثي باطنها وظاهرها ، وإن اشتمل ذلك على بيع معدوم ، إذا بدا صلاحها ، كما يجوز بالاتفاق إذا بدا صلاح بعض نخلة أو شجرة أن يباع جميع ثمرها ، وإن كان فيها ما لم يصلح بعد .
وغاية ما اعتذروا به عن خروج هذا من القياس أن قالوا : إنه لا يمكن إفراد البيع لذلك من نخلة واحدة ؛ لأنه لو أفرد البسرة بالعقد اختلطت بغيرها في يوم واحد ؛ لأن البسرة تصفر في يومها ، وهذا بعينه موجود في المقثاة .
وقد اعتذر بعض أصحاب الشافعي وأحمد عن تبعا بأن ما يحدث من الزيادة في الثمرة بعد العقد ليس بتابع للموجود ، وإنما يكون ذلك للمشتري ؛ لأنه موجود في ملكه . بيع المعدوم
والجمهور من الطائفتين يعلمون فساد هذا العذر ؛ لأنه يجب [ ص: 182 ] على البائع سقي الثمرة ، ويستحق إبقاءها على الشجر بمطلق العقد ، ولو لم يستحق الزيادة بالعقد لما وجب على البائع ما به تؤخذ ، فإن الواجب على البائع بحكم البيع توفية المبيع الذي أوجبه العقد ، لا ما كان من موجبات الملك .