الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما كانت اليمين مع الشاهد في دعوى المال وما يئول إليه لها أحوال وفيها تفصيل لأنها إما ممكنة في الحال أو ممتنعة فيه أو ممتنعة مطلقا أو ممتنعة من البعض دون البعض أشار لذلك كله بقوله [ ص: 201 ] ( وحلف عبد ) ولو غير مأذون ( وسفيه ) بالغ ( مع شاهد ) لكل بحق مالي واستحق ما ادعاه بالشاهد واليمين ولا يؤخر للعتق أو الرشد ولا يحلف السيد أو الولي عنهما وأشعر قوله وحلف . . . إلخ أنهما مدعيان فلا يشترط في الدعوى الحرية ولا الرشد بل ولا البلوغ فإن نكل السفيه أو العبد المأذون حلف المدعى عليه لرد شهادة الشاهد وبرئ وإن نكل غير المأذون حلف سيده مع الشاهد واستحق ( لا ) يحلف ( صبي ) مع شاهد له بحق مالي ادعاه على شخص ( و ) لا ( أبوه ) وأحرى غيره من الأولياء حيث لم يتول المعاملة إذ المكلف لا يحلف ليستحق غيره ( وإن أنفق ) عليه أبوه إنفاقا واجبا فأولى لا يحلف إذا أنفق عليه تطوعا أو لم ينفق أصلا فإن تولى الأب المعاملة حلف وكذا الوصي وولي السفيه وسيد العبد لأنه إذا لم يحلف غرم ( و ) إذا لم يحلف الصبي ولا أبوه مع الشاهد ( حلف مطلوب ) أي المدعى عليه ( ليترك ) المتنازع فيه ( بيده ) أي بيد المطلوب حوزا لا ملكا إلى بلوغ الصبي ( وأسجل ) المدعى به أي أن الحاكم يسجل أي يكتب في سجله الحادثة صونا لمال الصبي وخوفا من موت الشاهد أو تغير حاله عن العدالة ( ليحلف ) الصبي علة للإسجال أي أسجل لأجل أن يحلف ( إذا بلغ له [ ص: 202 ] كوارثه ) أي كما يحلف وارث الصبي البالغ إن مات الصبي ( قبله ) أي قبل بلوغه فإذا حلف الصبي إذا بلغ أو وارثه إن مات استحق المدعى به وأخذه من المطلوب إن كان معينا باقيا فإن فات أخذ قيمته إن كان مقوما ومثله إن كان مثليا وإن كان دينا في ذمة المطلوب أخذه على ما هو عليه وجاز الصلح عنه على ما مر في بابه فإن نكل المطلوب أخذه الصبي ملكا اتفاقا ولا يمين على الصبي إذا بلغ واستثني من قوله كوارثه قبله قوله ( إلا أن يكون ) الوارث البالغ ( نكل ) عن اليمين ( أولا ) حين توجهت عليه في نصيبه بأن ادعيا معا على شخص بحق وأقاما عليه شاهدا فنكل الكبير وسقط حقه واستؤني للصغير فمات قبل بلوغه ( ففي حلفه ) أي وارثه الكبير الناكل أولا ( قولان ) للمتأخرين ولا نص فيها للمتقدمين قيل يحلف ليستحق نصيب الصغير لأنه إنما نكل أولا عن حصته هو وقد يكون ورعا فلا يمنع من اليمين لأجل استحقاقه نصيب مورثه قال ابن يونس وهو الذي يظهر ألا ترى أنه لو حلف أولا لم يستحق نصيب مورثه إلا بيمين ثانية وقيل لا لسريان نكوله الأول عليه ( وإن نكل ) الصبي بعد بلوغه أو وارثه إن مات قبل بلوغه ( اكتفي بيمين المطلوب الأولى ) ولا تعاد عليه ثانية

التالي السابق


( قوله وحلف عبد إلخ ) حاصله أن العبد سواء كان مأذونا له في التجارة أو لا إذا أقام شاهدا بحق مالي فإنه يحلف مع شاهده ويستحق المال ويأخذه ولا خلاف في ذلك فإن نكل العبد عن اليمين فإن كان مأذونا له في التجارة حلف المدعى عليه وبرئ وإن كان غير مأذون له وحلف سيده واستحق وكذلك السفيه إذا ادعى على شخص بحق مالي وأقام بذلك شاهدا فإنه يحلف الآن مع شاهده ويستحق المال لكنه يقبضه الناظر عليه فإن نكل السفيه حلف المدعى عليه لرد شهادة الشاهد وبرئ ومحل حلف السفيه إذا كان وليه لم يتول المبايعة وإلا فالذي يحلف مع الشاهد وليه قال طفى وفرض المسألة في الحلف مع الشاهد يدل على أنه لا يمين عليه في الإنكار أو التهمة وهو كذلك فإذا ادعى أحد على سفيه أو عبد فأنكر ولم يقم المدعي بينة فلا يمين على ذلك المدعى عليه سواء كان ذكرا أو أنثى إذ لا فائدة لليمين حينئذ لأنها إنما تتوجه إذا كان المدعى عليه لو أقر لزمه وهذا ليس كذلك .

( قوله فلا يشترط في الدعوى ) أي في سماعها ( قوله الحرية ) أي حرية المدعي ولا رشده ولا بلوغه ( قوله لا يحلف صبي ) أي لأنه غير مكلف واليمين هنا جزء نصاب لا أنها تتميم بحيث يكون استحسانا حتى يكتفي بحلف الصبي لها ( قوله وأحرى غيره من الأولياء ) أي كالوصي ومقدم القاضي ( قوله وإن أنفق ) الأولى أن يعبر بلو لرد قول ابن كنانة يحلف الأب إذا كان ينفق عليه إنفاقا واجبا لأن ليمينه فائدة وهي سقوط النفقة عنه والقول بعدم حلف الأب مطلقا رواية ابن القاسم عن مالك انظر بن وقد يقال قاعدة المصنف أنه إذا عبر بلو يكون إشارة لرد خلاف لا أن كل خلاف يشير لرده بلو ( قوله فإن تولى الأب المعاملة إلخ ) أي كما لو باع الأب أو الوصي أو مقدم القاضي سلعة الصبي لأحد بثمن ثم إن الصبي طالب المشتري بالثمن فأنكره ووجد شاهدا واحدا يشهد له بالثمن فإن الأب ومن معه يحلفون مع ذلك الشاهد .

( قوله وسيد العبد ) انظر من ذكر هذا فإني لم أره منقولا والعلة تقتضي عدم حلفه تأمل ( قوله ليترك المتنازع فيه بيده ) أي إن كان معينا وإن كان المتنازع فيه دينا بقي بذمته وإن كان معينا وبقي بيده فغلته له كما يفيده قول المصنف سابقا والغلة له للقضاء والنفقة على المقضي له وما ذكره المصنف من ترك المتنازع فيه بيد المدعى عليه بعد يمينه إن كان معينا هو قول الأخوين وابن عبد الحكم وأصبغ وقيل إنه يحلف المطلوب ويوقف ذلك المتنازع فيه المعين تحت يد عدل لبلوغ الصبي ونسبه في التوضيح لظاهر الموازية وكتاب ابن سحنون وكلام ابن رشد في البيان يقتضي أن القول بوقف المعين هو المذهب وبنى المازري الخلاف في الوقف على الخلاف في استناد الحق للشاهد فقط واليمين كالعاضد فيحسن الإيقاف أو إليهما معا فيضعف الإيقاف انظر بن .

( قوله حوزا ) أي وحينئذ فيضمنه إذا تلف ولو بسماوي لأنه متعد لأنه شبيه بالغاصب ( قوله أي يكتب في سجله الحادثة ) أي الدعوى وشهادة العدل وما حصل عليه الانفصال في الخصومة ( قوله أو تغير حاله عن العدالة ) أي وخوفا من تغير حاله عن العدالة قبل بلوغ الصبي وهذا مضر فإذا [ ص: 202 ] حصل التسجيل وتغير حاله عن العدالة بعده فلا يضر وذلك لأن فسقه بعد الإسجال بمنزلة طرو فسقه بعد الحكم وهو لا يضر فلا يعارض ما سبق للمصنف أن طرو الفسق بعد الأداء وقبل الحكم مضر .

( قوله كوارثه قبله ) تشبيه في الحلف والاستحقاق أي كما أن وارث الصبي يحلف الآن ويستحق إذا مات الصبي قبل بلوغه ومحل حلفه واستحقاقه ما لم يكن ذلك الوارث بيت المال أو مجنونا أو مغمى عليه غير مرجو الإفاقة وإلا فلا يحلف وترد اليمين على المطلوب ويستحق ولا حق لبيت المال ولا للوارث المجنون أو المغمى عليه المذكورين ومحل ردها على المطلوب في تلك الحالة ما لم يكن حلف أولا وإلا فلا تعاد فإن كان الوارث مجنونا أو مغمى عليه مرجو الإفاقة انتظر ولا يحلف المطلوب ويوضع المتنازع فيه بيد أمين انظر حاشية شيخنا العدوي ( قوله فإن نكل المطلوب ) أي عند إقامة الصبي الشاهد ( قوله أخذه الصبي ) أي من الآن ملكا بشهادة الشاهدة ونكول المدعى عليه عن اليمين ( قوله إلا أن يكون نكل أولا ) أي إلا أن يكون وارث الصغير نكل أولا عن اليمين وصورته أن يشهد شاهد بحق لصغير وأخيه الكبير فنكل الكبير واستؤني للصغير فمات قبل بلوغه وورثه أخوه الكبير ففي حلف الكبير ليستحق نصيب أخيه الصغير الذي ورثه منه وعدم حلفه فلا يأخذه قولان ( قوله للمتأخرين ولا نص فيها للمتقدمين ) في هذا إشارة للتورك على المصنف وأن حقه أن يعبر بتردد لعدم نص المتقدمين واختلاف المتأخرين وقد يقال إن المصنف إنما التزم أنه إن أتى بالتردد كان إشارة لذلك لا أنه متى وقع خلاف للمتأخرين يعبر بتردد ( قوله لم يستحق نصيب مورثه إلا بيمين ثانية ) هذا هو المنقول عن ابن يونس ولابن رشد في جواب سؤال أرسله له القاضي عياض أن الكبير إذا حلف أولا ثم مات الصغير فلا يحتاج لإعادة يمين ثانية لأن اليمين الأولى وقعت على جميع الحق طبق الشهادة انظر بن ( قوله لسريان نكوله الأول عليه ) أي ولا يأخذ حصة الصغير فإن مات الكبير الناكل أولا عن ابن ثم مات الصغير وورثه ابن أخيه فإنه يحلف ويستحق حصة عمه الصغير فقط ولا يجري فيه القولان لأنه لم ينكل قبل ذلك وأما حصة أبيه الساقطة بنكوله فلا يتوهم رجوعها لابنه لأن الحق سقط بسبب النكول فلا يورث




الخدمات العلمية