الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
وأشار للنوع الثالث بقوله ( وغرب ) البكر ( الحر الذكر فقط ) [ ص: 322 ] دون العبد ولو رضي سيده ودون الأنثى ولو رضيت هي وزوجها ( عاما ) كاملا من يوم سجنه في البلد التي غرب إليها فلا بد من سجنه بها وكان الأولى التصريح به بأن يقول يسجن بها عاما ويكتفي به عما سيأتي له ( وأجره عليه ) أي أجرة حمله ذهابا وإيابا ومؤنته بموضع سجنه وأجرة الموضع عليه ; لأنه من تعلقات الجناية ( وإن لم يكن له مال فمن بيت المال ) إن كان وإلا فعلى المسلمين ( كفدك ) بفتح الفاء والدال المهملة قرية من قرى خيبر بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة مراحل ( وخيبر ) بينها وبين المدينة ثلاثة أيام ( من المدينة ) المنورة وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم نفى من المدينة إليها ( فيسجن سنة ) من حين سجنه كما مر ( وإن ) ( عاد ) الذي غرب إلى وطنه قبل مضي السنة ( أخرج ) مرة ( ثانية ) إلى الموضع الأول أو غيره لإكمال السنة ويحتمل أن المعنى ، وإن عاد للزنا بعد تغريبه ورجوعه لوطنه أخرج بعد جلده مرة ثانية إلى البلد التي نفي إليها أو إلى غيرها ، وأما إن زنى في الموضع الذي غرب إليه أو زنى غريب بغير بلده فاستظهر بعضهم أنه إن تأنس بأهل السجن لطول الإقامة معهم وتأنس الغريب بأهل تلك البلد غرب لموضع آخر بعد الجلد وإلا كفى السجن في ذلك الموضع ويستأنف لمن زنى في السجن عاما ويلغى ما تقدم له .

التالي السابق


( قوله : وغرب الحر الذكر ) أي بعد الجلد مائة وإنما غرب عقوبة له لأجل أن ينقطع عن أهله وولده [ ص: 322 ] ومعاشه وتلحقه الذلة ومحل تغريب الحر الذكر إذا كان متوطنا في البلد التي زنى فيها وأما الغريب الذي زنى بفور نزوله ببلد فإنه يجلد ويسجن بها ; لأن سجنه في المكان الذي زنى فيه تغريب له ، وأشعر قوله : غرب أنه لو غرب نفسه لا يكفي ; لأن تغريبه نفسه قد يكون من شهواته فلا يكون زجرا له .

( قوله : دون العبد والأنثى ) أي فلا يغربان ولا يسجن واحد منهما ببلد الزنا ; لأن السجن تبع للتغريب وهما لم يغربا وهذا هو المعتمد ; لأنه قول مالك وعامة أصحابه كما قاله ابن رشد في المقدمات .

( قوله ولو رضيت هي وزوجها ) أي لما يخشى عليها من الزنا بسبب ذلك التغريب وظاهره أنها لا تغرب ولو مع محرم وهو المعتمد خلافا لقول اللخمي تنفى المرأة إذا كان لها ولي أو تسافر مع جماعة رجال ونساء كخروج الحج ، فإن عدم جميع ذلك سجنت بموضعها عاما ; لأنه إذا تعذر التغريب لم يسقط السجن هذا كلامه وقد علمت ضعفه .

( قوله : عاما كاملا من يوم سجنه ) ظاهره ولو كان عليه دين وهو كذلك لأن الدين يؤخذ من ماله إن كان له مال ، وإلا فهو معسر ينظر على كل حال .

( قوله : ومؤنته ) أي وثمن مؤنته من طعام وشراب وفي هذا إشارة إلى أن المصنف استعمل الأجرة فيما يشمل ثمن المأكل والمشرب من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه أو من عموم المجاز .

( قوله : فيسجن ) أي بعد الجلد سنة من حين سجنه في البلد الذي نفي إليه كما مر فذكر العام فيما مر لا فائدة فيه على أن سجنه قد يتأخر بعد دخول بلد التغريب فيكون التغريب حينئذ أكثر من عام فلو اقتصر على ما هنا أو ذكر السجن فيما تقدم وحذف ما هنا كان أنسب .

( قوله : غرب لموضع آخر ) أي سنة كاملة وألغي ما مضى من الأولى فلا يكمل عليه ولا يحتسب منها بشيء فقول الشارح ويستأنف لمن زنى في السجن أي سواء غرب لموضع آخر أو لم يغرب




الخدمات العلمية