الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( وتؤخذ العين السليمة ) من الجاني ( بالضعيفة خلقة ) أي من أصل خلقتها ( أو ) ضعيفة ، من ( كبر ) لصاحبها ( و ) أما لو كان ضعفها ( لجدري ) بضم الجيم ( أو ) كان ( لكرمية ) أصابتها قبل الجناية سواء أخذ لها عقلا أم لا ( فالقود ) راجع للجدري وما بعده لا لما قبله للاستغناء عنه بقوله وتؤخذ إلخ ; إذ لا معنى له إلا القود ، وإنما رجعناه للجدري ; لأنه قرنه بالواو الاستئنافية كما أشرنا له بأما الفاصلة وقوله ( إن تعمد ) الجاني شرط في القود أي تعمد الجناية عليها مع ضعفها بما تقدم قبل تعمد الجناية ( وإلا ) يتعمد بل كان خطأ ( فبحسابه ) أي يؤخذ من الجاني بحساب ما بقي بعد الرمي الأول من نورها فإن بقي نصف نورها بعد الرمي الأول فعلى المخطئ الآن نصف الدية وعلى هذا القياس ، ، وهذا إن أخذ لها أولا عقلا ، وإلا ، فالدية كاملة ، كما يأتي في قوله ، وكذا المجني عليها إن لم يأخذ لها عقلا فقوله ، وإلا إلخ راجع لقوله ، أو لكرمية ، ثم لا حاجة لقوله ، فالقود مع قوله وتؤخذ العين ولا لقوله إن تعمده ; لأن الكلام في العمد ولا لقوله ، وإلا إلخ مع قوله الآتي ، وكذا المجني عليها إن لم يأخذ عقلا مع إخلال ما هنا بالشرط الآتي وركة الكلام ( وإن ) ( فقأ ) أي قلع ( سالم ) أي سالم العينين ، أو سالم المماثلة للمجني عليه ( عين أعور ) ( فله ) أي للأعور ( القود ) بأخذ نظيرتها من السالم ( و ) له ( أخذ الدية كاملة ) ; لأن عينه بمنزلة عينين ( من ماله ) ; لأنه متعمد ( وإن ) ( فقأ أعور من سالم مماثلته ) أي مماثلة عينه السالمة [ ص: 256 ] ( فله ) أي لسالم العينين المجني عليه ( القصاص ) من الأعور فيصير أعمى ( أو دية ما ترك ) من عين الأعور ، وهي دية كاملة ألف دينار على أصل المذهب لما مر ( و ) إن فقأ الأعور من السالم ( غيرها ) أي غير المماثلة لعينه بأن فقأ مماثلة العوراء ( فنصف دية فقط ) تلزمه ( في ماله ) لتعمده ( وإن ) ( فقأ ) الأعور ( عيني السالم ) عمدا في مرة واحدة ، أو إحداهما بعد الأخرى ( فالقود ) في المماثلة لعينه ( ونصف الدية ) في المغايرة لها ( وإن قلعت سن ) لكبير أي مثغر بدليل ذكره الصغير فيما يأتي وأعيدت مكانها ( فثبتت ) ، وكذا إن اضطربت جدا كما يأتي ، ثم ثبتت ( فالقود ) في العمد ولا يسقطه ثبوتها ; لأن المعتبر في القصاص يوم الجرح ولأن المقصود تألم الجاني بمثل ما فعل وفي جناية ( الخطإ ) فثبتت يلزمه دية خطإ خمس من الإبل وكالخطإ أي كما يلزمه دية الخطإ في غيرها مما له عقل مسمى كموضحة ومنقلة يؤخذ عقله ، ثم يبرأ على غير شين فلا يسقط العقل اتفاقا

التالي السابق


( قوله : وتؤخذ العين السليمة ) حاصله أن العين السليمة تؤخذ بالعين الضعيفة سواء كان ضعفها خلقة ، أو لكبر صاحبها ، أو لجدري ، أو لرمية ونحوها كطرفة ولو أخذ صاحبها لها عقلا حيث كانت الجناية على تلك الضعيفة عمدا كما هو الموضوع فإن كانت الجناية خطأ ، فالدية كاملة إذا كان ضعفها بغير رمية بأن كان خلقة ، أو لكبر ، أو لجدري ، أو كان برمية ولم يتمكن صاحبها من أخذ عقلها من الرامي الأول وأما إذا تمكن من أخذ عقلها منه ولو لم يأخذه بالفعل غرم الجاني المخطئ لربها بحساب ما بقي من نورها بعد الرمي الأول .

( قوله : بالضعيفة ) أي المجني عليها ( قوله : ولجدري ، أو لكرمية ، فالقود ) ما ذكره من القود في هذين هو مذهب المدونة ولو أخذ لها عقلا وقيل لا قصاص فيها وقيده ابن الماجشون بما إذا كان النقص فاحشا قاله ابن الحاجب انظر التوضيح ا هـ بن ( قوله للاستغناء عنه ) أي عن رجوعه لما قبله ( قوله : وإنما رجعناه للجدري ) أي ولما بعده ولم نرجعه لما بعده فقط ويجعل قوله ولجدري عطفا على ما قبله ( قوله : بما تقدم ) أي من الجدري ، والرمية ، والكبر ، والخلقة ( قوله : وهذا ) أي الأخذ من الجاني بحساب ما بقي وقوله إن أخذ لها أولا عقلا الأولى إن تمكن من أخذ عقلها أخذه بالفعل أم لا وقوله ، وإلا فالدية ، أي : وإلا يتمكن ، من أخذ عقل لها ، فالدية كاملة ( قوله : مع إخلال ما هنا ) أي ; لأن ظاهره ، أن الجاني ، خطأ ، على العين الضعيفة بكرمية ، يغرم بحساب ما بقي من نورها مطلقا سواء كان ربها أخذ لها عقلا أولا قبل الجناية ، أو لا ( قوله : فله القود وله أخذ الدية ) ما ذكره المصنف من أن في عين الأعور القصاص ، أو الدية كاملة ظاهره مطلقا ولو كان الأعور أخذ دية الأولى ، وهو كذلك على الصواب للسنة ولأن عين الأعور بمنزلة عينين في الانتفاع بها ، ثم إن ما ذكره من تخيير الأعور المجني عليه إذا كان الجاني سالم العينين ، أو سالم المماثلة للمجني عليها . نحوه ابن عرفة عن ابن القاسم وأشهب ولذا [ ص: 256 ] قال المسناوي الفقه صحيح ، لكن تخيير المجني عليه بين الدية ، والقصاص مشكل ; لأن مشهور المذهب تحتم القصاص في العمد وأجيب بأن الموجب للتخيير هو عدم مساواة عين الجاني ، والمجني عليه في الدية ; لأن دية عين المجني عليه ألف دينار بخلاف عين الجاني كمن كفه مقطوعة وقطع يد رجل ، من المرفق ا هـ . وهذا الجواب يقوي إشكال التخيير في الصورة الثانية ، وهي ما إذا فقأ سالم المماثلة للمجني عليها لوجود المساواة ا هـ بن .

( قوله : فله القصاص من الأعور ) أي بفقء عينه ، وإنما خير المجني عليه السالم لعدم المساواة ; لأن عين المجني عليه فيها نصف دية وعين الجاني فيها دية كاملة فلم يتساويا في العقل ( قوله : ما ترك ) أي السالم وقوله من عين الأعور بيان لما تركه السالم ( قوله لما مر ) علة لقوله ، وهي دية كاملة والذي مر هو قوله ; لأن عين الأعور بمنزلة عينين ( قوله : فنصف دية فقط ) أي وليس للسالم المجني عليه القصاص من الأعور لانعدام محله ( قوله : فالقود ونصف الدية ) أي سواء فقأهما في مرة واحدة ، أو إحداهما بعد الأخرى وبدأ بالتي ليس له مثلها أولا ، أو بالتي له مثلها على المشهور ، وهو قول ابن القاسم وقال أشهب إن بدأ بالتي له مثلها وثنى بالأخرى ، فالقصاص وألف دينار لتعين القصاص بالمماثلة وصارت الثانية عين أعور فيها دية كاملة ، وإن فقأهما معا ، أو بدأ بالتي ليس له مثلها ، فالقود في المماثلة ونصف الدية في غيرها ( قوله فثبتت ) أي قبل أخذ عقلها ( قوله : لأن المعتبر في القصاص يوم الجرح ) أي ويوم الجرح لم تكن ثابتة ( قوله : وفي الخطإ ) أي وفيما إذا قلعها شخص خطأ ، ثم أعيدت فثبتت قبل أخذ عقلها ( قوله : فلا يسقط العقل اتفاقا ) المناسب لقوله يؤخذ عقله أن يقول فلا يرد العقل اتفاقا




الخدمات العلمية