الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ثم انتقل يتكلم على مسألة الحيازة وألحقها بالشهادة لأن في بعض أنواعها ما تسمع فيه البينة وفي بعضها ما لا تسمع فيه البينة وذكر منها ثلاثة أنواع أجنبي غير شريك وأجنبي شريك وأقارب شركاء أصهار أو غيرهم فأشار للنوع الأول بقوله ( وإن ) ( حاز أجنبي غير شريك ) في الشيء المحاز ( وتصرف ) الحيازة وهي وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه والتصرف يكون بواحد من أمور سكنى أو إسكان أو زرع أو غرس أو استغلال أو هبة أو صدقة أو بيع أو هدم أو بناء أو قطع شجر أو عتق أو كتابة أو وطء في رقيق ( ثم ادعى حاضر ) بالبلد ولو حكما كمن على مسافة يومين فإن بعدت كمن على جمعة فله القيام متى قدم مطلقا كالأربعة وثبت عذره عن القدوم أو التوكيل فإن جهل أمره فكذلك عند ابن القاسم وقال ابن حبيب يسقط حقه فاختلافهما في القريبة كالأربعة مع جهل الحال ( ساكت ) عالم ( بلا مانع ) له من التكلم فإن نازع [ ص: 234 ] أو جهل كون الشيء المحاز ملكه أو قام به مانع من إكراه ونحوه لم يسقط حقه ومن العذر الصغر والسفه ( عشر سنين ) معمول لحاز وما بعده لكن لا يشترط أن يكون التصرف في جميعها والعشر سنين إنما هي شرط في حيازة العقار وهو الأرض وما اتصل بها من بناء أو شجر وأما غيره فلا يشترط فيه هذا الطول كما سيأتي للمصنف وكذا التصرف بالبيع والهبة ونحو ذلك لا يشترط فيه الطول المذكور ( لم تسمع ) دعواه ( ولا بينته ) التي أقامها على صحة دعواه وإنما لم تسمع دعواه مع الشروط المذكورة لأن العرف يكذبه لأن سكوته تلك المدة دليل على صدق الحائز لجري العادة أن الإنسان لا يسكت عن ملكه تلك المدة ولقوله صلى الله عليه وسلم { من حاز شيئا عشر سنين فهو له } وفي المدونة الحيازة كالبينة القاطعة [ ص: 235 ] لا يحتاج معها ليمين أي من الحائز وهذا في محض حق الآدمي وأما الوقف بأنواعه فتسمع فيه البينة ولو تقادم الزمن واستثني من قوله ولا بينته قوله ( إلا ) أن تشهد البينة ( بإسكان ) من المدعي للحائز ( ونحوه ) كإعمار أو إرفاق أو مساقاته أو مزارعته فإن ذلك لا يفيته على صاحبه وتسمع بينته فليس مراده إلا بدعوى إسكان لعدم قبول دعواه مع إنكار الحائز نعم إن أقر كان كالبينة أو أولى وهذا مقيد بما إذا لم يحصل من الحائز بحضرة المدعي مالا يحصل إلا من المالك في ملكه ولم ينازعه في ذلك كالبيع والهبة والصدقة فلا تسمع بينة المدعي بالإسكان ونحوه

التالي السابق


( قوله لأن في بعض أنواعها ) أي صورها الجزئية وقوله ما تسمع فيه أي وهو ما فقد شرطا من شروط الحيازة كما لو حاز ملك غيره أقل من عشرة أعوام وتصرف فيه بالهدم أو البناء وادعى ملكه ثم قام عليه إنسان وادعى الملكية وأقام بينة بذلك وكما لو شهدت البينة للمدعي على الحائز عشرة أعوام بعارية أو أعمار أو بأن هذا المحوز حبس أو طريق أو مسجد فالحيازة عشرة أعوام لا تنفع مع وجود البينة الشاهدة بذلك ( قوله في بعضها ما لا تسمع فيه ) أي وهو ما استوفى شروط الحيازة أي كما لو حاز ملك غيره في وجهه عشرة أعوام وتصرف فيه بالهدم والبناء وادعى ملكه بشراء أو هبة ثم قام عليه إنسان وادعى أنه ملكه وأقام بينة بالملك والحال أنه لا مانع له من التكلم في تلك المدة فيصدق الحائز بيمينه ولا تقبل بينة المدعي ( قوله وذكر منها ثلاثة ) أي وترك منها ثلاثة ذكرها الشارح آخر حيازة الأقارب غير الشركاء وحيازة الموالي والأصهار غير الشركاء ( قوله غير شريك ) أي للمدعي وقوله وتصرف أي بواحد من أربعة عشر ذكرها الشارح ويزاد عليها التدبير ( قوله أو هدم أو بناء ) أي كثيرين لغير إصلاح لا له أو كانا يسيرين عرفا ( قوله بالبلد ) أي مع الحائز ( قوله كمن على جمعة ) أي سبعة أيام ( قوله مطلقا ) أي سواء ثبت عذره عن القدوم والتوكيل بالبينة أم لا ( قوله فكذلك ) أي له القيام متى قدم وقوله فإن جهل أي لم يعلم هل منعه من القدوم عذر أم لا ( قوله فاختلافهما إلخ ) قال ابن عرفة ابن رشد وهذا الخلاف في القريب إنما هو إذا علم بأن المحوز ملكه وأما إذا لم يعلم فلا حيازة عليه ومثله الحاضر غير أنه في القريب الغيبة يحمل على عدم العلم حتى يثبت علمه وفي الحاضر يحمل على العلم حتى يثبت له أنه لم يعلم ا هـ بن .

( قوله عالم ) أي بالتصرف أما لو كان غير عالم فله القيام وإذا ثبت عدم علمه ( قوله فإن نازع إلخ ) أي فإن نازع ذلك الحاضر الحائز لم يسقط حقه وهذا محترز قوله ساكت وقوله أو جهل إلخ محترز قوله بلا مانع وكذا قوله أو قام به مانع وظاهر الشارح عدم سقوط حق المدعي إذا نازع ولو كانت المنازعة في أي وقت من العشر سنين وفي ابن مرزوق لا بد من دوام المنازعة فيها ا هـ وظاهره وإن لم تكن عند حاكم وهو ظاهر الشارح بهرام [ ص: 234 ] وابن ناجي وفي ابن عمر إنما تنفعه المنازعة إذا كانت عند قاض ( قوله أو جهل كون الشيء المحاز ملكه إلخ ) أي فإذا قال لا علم لي بأنه ملكي وما وجدت الوثيقة إلا الآن عند فلان قبل قوله مع يمينه وأما لو علم أنه ملكه وادعى أن سكوته لغيبة البينة أو غيبة الوثيقة العالم بها فحين حضرت بعد العشر سنين قام بها فلا ينفعه ذلك ففي ح نقلا عن الجزولي إذا قال علمت أنها ملكي ولكن منعني من القيام عدم البينة والآن وجدت البينة فإنه لا ينفعه ذلك ولا قيام له وليس هذا عذرا لأنه قد يقر له إذا نازعه أو ينكل عن اليمين فيحلف هو وكذا قال ابن ناجي الصواب عندي أنه لا يقبل عذره بذلك لأنه كالمعترف بأنه لا حق له انظر بن .

( قوله ونحوه ) من ذلك ما إذا كان الموضع لا يتيسر فيه من يزجر ويرجع إليه ولذا قال ابن عمر الحيازة إنما تكون في موضع الأحكام وأما في البادية ونحوها فلا حيازة ومن ذلك خوف الحاضر من سطوة الحائز أو من سطوة من استند إليه الحائز ولذا ذكر ح وغيره أنه لا حيازة لذي الشوكات والتغلب .

( قوله ومن العذر ) أي المانع من التكلم الصغر والسفه بخلاف جهله أن الحيازة تسقط الحق وتقطع البينة فإنه لا يعذر بذلك الجهل ( قوله وما بعده ) أي وهو تصرف وحاضر وساكت وبلا مانع والمراد بكونه معمولا لحاز وما بعده أنه يصح أن يكون معمولا لأحدها وباقيها يعمل في ضميره بناء على جواز التنازع في مثل هذا العدد وإلا فيقدر معمول لما زاد على العوامل الثلاثة ولا يجوز أن يعمل في ضمير المتنازع فيه ( قوله لكن لا يشترط إلخ ) أي خلافا لظاهر المصنف فقوله وتصرف عشر سنين فيه ضعف والمعتمد أنه لا يشترط أن يكون التصرف في جميعها بل يكفي في أي جزء منها ولو في أولها وهذا التعقب إنما يأتي على ما قاله من أن قوله عشر سنين معمول لحاز وما بعده أما إن جعل معمولا لحاضر ساكت بلا مانع وهو يتضمن كون الحيازة عشر سنين وليس ظرفا لتصرف فلا يتأتى ذلك التعقب ( قوله والعشر سنين ) أي والحوز عشر سنين إنما هو شرط في حيازة العقار وقوله كما سيأتي للمصنف أي في قوله وإنما تفترق الدار إلخ ثم إن تحديد الحيازة في العقار بالعشر نحوه في الرسالة وعزاه في المدونة لربيعة قال ابن رشد وهو المشهور في المذهب ولابن القاسم في الموازية أن ما قارب العشر كتسع وثمان كالعشر وقال مالك تحد باجتهاد الحاكم ا هـ بن ( قوله وكذا التصرف بالبيع والهبة ونحو ذلك ) أي كالعتق والكتابة والتدبير والوطء لا يشترط فيه الطول المذكور وإنما يشترط الطول المذكور إذا كان التصرف بالسكنى أو الإسكان أو الزرع أو الغرس أو الاستغلال أو الهدم أو البناء أو قطع الشجر قال ابن رشد في البيان وتحصل الحيازة في كل شيء بالبيع والهبة والصدقة والعتق والتدبير والكتابة والوطء ولو بين أب وابنه ولو قصرت المدة إلا أنه إن حضر مجلس البيع فسكت لزمه البيع وكان له الثمن وإن سكت بعد العام ونحوه استحق البائع الثمن بالحيازة مع يمينه وإن لم يعلم بالبيع إلا بعد وقوعه فقام حين علم كان له رد البيع وإمضاؤه وأخذ حقه وإن سكت العام ونحوه لم يكن له إلا الثمن وإن لم يقم حتى مضت مدة الحيازة ثلاث سنين لم يكن له شيء واستحقه الحائز وإن حضر مجلس الهبة أو الصدقة أو العتق أو التدبير فسكت لم يكن له شيء وإن لم يحضر ثم علم فإن قام حينئذ كان له الإجازة والرد وإن قام بعد عام ونحوه فلا شيء له ويختلف في الكتابة هل تحمل على البيع أو على العتق قولان ا هـ بن .

( قوله لم تسمع دعواه ) أي سماعا معتدا به بحيث تكون البينة على المدعي واليمين على من أنكر وليس المراد نفي سماعها رأسا إذ تسمع لاحتمال إقرار الحائز للمدعي أو اعتقاد الحائز أن مجرد حوزها تلك المدة يوجب له ملكها وإن كانت ثابتة الملك لغيره ( قوله ولا بينته ) أي ولا تعتبر وثائقه أيضا ( قوله وإنما لم تسمع دعواه ) أي دعوى مدعي الملكية ( قوله مع الشروط المذكورة ) هي أربعة أولها أن يحصل من الأجنبي الحائز تصرف [ ص: 235 ] وأن يكون المنازع له المدعي للملكية حاضرا معه بالبلد حقيقة أو حكما وأن يكون ساكتا ولا مانع له من التكلم مدة عشر سنين وبقي شرط خامس وهو أن يدعي الحائز وقت المنازعة ملك الشيء المحاز وأما إذا لم يكن له حجة إلا مجرد الحوز فلا ينفعه ولا يشترط بيان سبب الملك كما قال ابن أبي زمنين وهو المعتمد خلافا لمن قال إنه يطالب ببيانه وقيل إن لم يثبت أصل الملك للمدعي لم يطالب الحائز ببيانه وإن ثبت الأصل الملك للمدعي طولب ببيانه انظر ح .

( قوله لا يحتاج معها ليمين ) أي من الحائز وقال عيسى إنه يحلف وهو صريح كلام ابن رشد قال في التوضيح وهو أقوى على الظاهر ا هـ بن ( قوله ولو تقادم الزمن ) أي زمن الحيازة ( قوله بإسكان ) أي على وجه الإجارة أو العارية ( قوله نعم إن أقر ) أي الحائز بإسكان من المدعي كان كالبينة الشاهدة للمدعي ( قوله وهذا ) أي ما ذكره المصنف من أنه إذا شهد للمدعي بينة بإسكان للحائز ونحوه فإنها تسمع بينته ( قوله مقيد بما إذا لم يحصل إلخ ) أي ومقيد أيضا بما إذا لم يدع الحائز الملكية من جهة المدعي بهبة أو شراء وإلا فلا تسمع بينة المدعي بالإسكان ونحوه فإذا ادعى أن له بينة بالإسكان ونحوه وادعى الحائز أنه ملكه من جهته بهبة أو شراء مثلا صدق الحائز بعد مضي المدة المذكورة بيمينه وما تقدم في باب الإقرار فهو مخصوص بما إذا لم يكن مدة حيازة لتقدم شهادة العرف على إقراره




الخدمات العلمية