الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما فرغ رحمه الله تعالى من عمل الفرائض ومن ذكر الوارثين وبيان استحقاقهم ومن يدخل عليهم بإقرار أو وصية شرع في ذكر موانع الميراث فقال ( ولا يرث ) ( ملاعن ) زوجته التي لاعنها إذا التعنت بعده بمجرد تمام التعانها فإن ماتت قبل التعانها ورثها ( و ) لا ترث ( ملاعنة ) زوجها الملتعن قبلها فإن ابتدأت هي ومات قبل التعانه ورثته ، وإن مات بعد التعانه الواقع بعد التعانها فعلى القول بإعادتها ترثه وعلى القول بعدم إعادتها لا ترثه فالحاصل أنه إذا لم يقع اللعان من الجانبين توارثا ، وإن حصل اللعان من كل على الوجه الشرعي لم يرث أحدهما الآخر فإن بدأت قبله ولاعن بعدها فعلى القول بعدم الاعتداد بلعانها ولا بد من إعادتها ومات أحدهما قبل إعادتها ورثه الآخر وعلى مقابله لا إرث ورجع ، وأما ولده الذي وقع فيه اللعان فلا توارث بينهما سواء التعنت أم لا ( وتوأماها ) أي الملاعنة من الحمل الذي لاعنت فيه ( شقيقان ) أي يتوارثان على أنهما شقيقان على المشهور كالمستأمنة والمسبية لا توأما زانية ومغتصبة فأخوان لأم على المشهور وذكر المانع الثاني وهو الرق بقوله ( ولا ) يرث ( رقيق ) قن أو بشائبة من قريبه ( ولسيد ) العبد ( المعتق بعضه جميع إرثه ) أي ماله بالملك لبعضه ، وإطلاق الإرث عليه مجاز فإن كان البعض الرق بين جماعة فلكل من ماله بقدر استحقاقه ( ولا يورث ) أي الرقيق أي لا يرثه قريبه الحر ; لأن مال العبد لسيده واستثنى من هذا الثاني قوله ( إلا المكاتب ) [ ص: 486 ] يموت ويترك ما فيه وفاء بكتابته مع زيادة عليه فإن تلك الزيادة تورث عنه يرثها من معه في الكتابة ممن يعتق عليه كما مر في بابه .

وذكر المانع الثالث وهو القتل بقوله ( ولا ) يرث ( قاتل ) لمورثه ولو معتقا لعتيقه أو صبيا أو مجنونا تسببا أو مباشرة ( عمدا عدوانا ، وإن أتى بشبهة ) تدرأ عنه القصاص كرمي الوالد ولده بحجر فمات منه فالضمير في أتى للقاتل لا بقيد العدوان إذ لا عدوان مع الشبهة وقد يقال جعله عدوانا من حيث التعمد ( كمخطئ ) لا يرث ( من الدية ) ويرث من المال وألحق بالخطأ ما لو قصد وارث قتل مورثه وكان لا يندفع إلا بالقتل فقتله المورث فإنه يرث من المال لا من الدية .

وأشار للمانع الرابع وهو المخالفة في الدين بقوله ( ولا ) يرث ( مخالف في دين كمسلم مع مرتد ) ( أو غيره ) من يهودي أو نصراني أو مجوسي ( وكيهودي مع نصراني ) فلا توارث بينهما إذ كل ملة مستقلة ( وسواهما ) كله ( ملة ) فيقع التوارث بين مجوسي وعابد وثن أو دهري أو نحو ذلك ( وحكم بين الكفار ) كتابيين أو غيرهم ( بحكم المسلم ) أي بحكم الإسلام في المسلم ( إن ) رضوا بأحكامنا ، و ( لم يأب بعض ) ، وإلا لم نتعرض لهم ( إلا أن ) ( يسلم بعض ) أي بعض ورثة من مات كافرا ويستمر الآخر على كفره ويأبى حكم الإسلام ( فكذلك ) أي يحكم بينهم بحكم المسلم من غير اعتبار الآبي لشرف المسلم هذا ( إن لم يكونوا كتابيين ، وإلا ) بأن كانوا كتابيين ، وأسلم بعضهم بعد موت مورثه ( فبحكمهم ) أي نحكم بينهم بحكم مواريثهم أي نقسم المال بينهم على حكم مواريثهم بأن نسأل القسيسين عمن يرث ومن لا يرث وعن القدر الذي يورث عندهم ونحكم بينهم بذلك إلا أن يرضوا جميعا بحكمنا [ ص: 487 ]

وأشار للمانع الخامس بقوله ( ولا ) يرث ( من جهل تأخر موته ) عن مورثه بأن ماتا تحت هدم مثلا أو بطاعون ونحوه بمكان ولم نعلم المتأخر منهما فيقدر أن كل واحد لم يخلف صاحبه ، وإنما خلف الأحياء من ورثته فلو مات رجل وزوجته وثلاثة بنين له منها تحت هدم وجهل موت السابق منهم وترك الأب زوجة أخرى وتركت الزوجة ابنا لها من غيره فللزوجة الربع وما بقي للعاصب ومال الزوجة لابنها الحي وسدس مال البنين لأخيهم لأمهم وباقيه للعاصب وسقط بمن يسقط به الأخ للأم . واعلم أن ضد المانع شرط فشروط الإرث خمسة وأسبابه ثلاثة نكاح أو قرابة أو عتق .

التالي السابق


( قوله : شرع في ذكر موانع الميراث فقال إلخ ) ما ذكره الشارح من أن اللعان بين الزوجين مانع للحكم الذي هو الميراث فهو خلاف التحقيق ، والحق أن اللعان بين الزوجين مانع من سبب الميراث الذي هو الزوجية لا مانع من الحكم ، وهو الميراث فعدم الإرث لانتفاء السبب ، وهو الزوجية لا لذات اللعان ; لأنهم إنما يعللون نفي الحكم بقيام مانعه إذا كان السبب موجودا ، وأما مع عدمه فلا والسبب هنا ، وهو الزوجية معدوم نعم اللعان بالنظر لما بين الزوج وولده مانع للحكم ، وهو الميراث ; لأنه لو استلحقه للحق وورث تأمل ( قوله : إذا التعنت بعده بمجرد إلخ ) أي إذا التعنت بعده ثم ماتت ، ولو بمجرد إلخ ( قوله : على الوجه الشرعي ) أي بأن التعن الرجل أولا والتعنت بعده ( قوله : سواء التعنت أم لا ) أي سواء التعنت بعده أو لم تلتعن بأن التعن وحده ; لأن مجرد لعان الأب قاطع لنسبه .

( قوله : وتوأماها شقيقان ) فهم من قوله توأماها أن ولديها غير التوأمين ليسا شقيقين ، وهو كذلك ، وإنما هما أخوان لأم فقط فإذا ولدت المرأة ولدين كل واحد في بطن وادعى الرجل أنهما ليسا منه ، ولاعن منهما فإنهما يتوارثان من بعضهما على أنهما أخوان لأم ، ولو كان اللعان من أبيهما فقط ; لأن لعانه يقطع نسبه ( قوله : كالمستأمنة ) ، وهي المرأة الحربية تدخل بلادنا بأمان وهي حامل ، ولا يدرى هل حملها من زوج أو من زنا فتلد ابنين هذا صورته وصورة المسبية امرأة سبيت من الكفار ، وهي حامل ولا يدرى هل حملها من زوج أو من زنا فتلد اثنين ( قوله : ولسيد العبد المعتق بعضه جميع إرثه ) أي ، ولا شيء لمن أعتق بعضه وفهم منه أن مال القن الخالص لسيده بالأولى إن كان السيد مسلما كان العبد مسلما أو كافرا فإن كان السيد كافرا والعبد كافرا فكذلك إن قال أهل دينه إنه لسيده ، وإلا فللمسلمين كما قاله ابن مرزوق فإن أسلم عبد لكافر ولم يبن عنه ومات قبل بيعه عليه فماله لسيده الكافر كما قاله المتيطي فإن مات بعد بيعه عليه فماله لمشتريه لا للمسلمين فإن بان منه بعد إسلامه ومات فماله للمسلمين ( قوله : فإن كان البعض الرق بين جماعة إلخ ) فإذا مات العبد وترك مالا ، ولرجل فيه الثلث ، ولآخر فيه السدس ونصفه [ ص: 486 ] حر فماله المخلف عنه يقسم بينهما بقدر ما لهما فيه من الرق فلصاحب الثلث ثلثاه ، ولصاحب السدس ثلثه ( قوله : إلا المكاتب إلخ ) إنما استثناه مع أنه ترك وفاء كتابته ; لأن موته قبل أداء النجوم لا يوجب حريته بل مات ، وهو باق على الكتابة ، ولذا كان وارثه نوعا خاصا ، ولو كان إرثه بالحرية لورثه كل من يرث الحر قاله ابن مرزوق ( قوله : ولا يرث قاتل لمورثه عمدا إلخ ) أي لا يرث من المال ، ولا من الدية ( قوله : أو صبيا أو مجنونا ) تبع في ذلك عج وقال طفى ، ولا قاتل عمد ، ولو عفي عنه ، ولو كان القاتل مكرها ، ولا بد من كونه عاقلا بالغا ، أما الصبي فعمده كالخطإ ، وكذلك المجنون وقاله الفارسي في شرح التلمسانية ونحوه في الذخيرة ، وهو الظاهر خلافا لما حكاه عج عن الأستاذ أبي بكر من أن قاتل العمد لا يرث من مال ، ولا من دية بالغا أو صغيرا أو مجنونا . ا هـ . لكن ما ذكره عج اقتصر عليه ابن علاق ، ولم يذكر مقابله إلا عن أبي حنيفة انظر بن .

( قوله : لا يرث من الدية ويرث من المال ) .

( فائدة ) المشهور من المذهب أن القاتل مطلقا عمدا أو خطأ يرث الولاء خلافا لأصبغ القائل إن كان القاتل قاتلا عمدا فلا يرث الولاء ، وإن كان قاتلا خطأ ورثه ومعنى إرث الولاء أن من قتل شخصا له ولاء عتيق والقاتل وارث للشخص المذكور فإنه يرث ماله من الولاء سواء قتله عمدا أو خطأ ، وليس معناه أن المعتق بالكسر إذا قتل عتيقه عمدا يرثه بل حكمه حكم من قتل مورثه كما مر .

( قوله : وألحق بالخطأ ما لو قصد إلخ ) أي ، وكذا كل قتل كان عمدا غير عدوان كقتل الشخص لمورثه إذا كان من البغاة فإنه يرثه ( قوله : فإنه يرث من المال لا من الدية ) فيه أنه إذا كان لا يندفع إلا بالقتل وقتله فإنه لا دية له أصلا كما تقدم في دفع الصائل .

( فرع ) إذا تقاتلت طائفتان ، وكانتا متأولتين فإنه يرث بعضهم بعضا كيوم الجمل وصفين فإنه وقع التوارث بينهم فهو دليل . ا هـ . طفى وفي البدر قاعدة كل قتل مأذون فيه لا دية فيه ، ولا كفارة ، ولا يمنع ميراثا كفحت بئر وعكسه ، وهو غير المأذون فيه ، فيه الثلاثة كسائق وقائد .

( قوله : أو غيره ) لا يدخل في الغير الزنديق إذا أنكر ما شهدت به عليه البينة أو تاب بعد الاطلاع عليه ; لأنه إذا قتل يكون ماله لوارثه المسلم على المعتمد ; لأن قتله حد من الحدود يقام عليه لا أنه لكفره ( قوله : وسواهما كله ملة واحدة ) وقيل إن ما سواهما ملل أيضا والقولان مرجحان والأول رواية المدنيين وصوبها ابن يونس والثاني هو ظاهر المدونة والأمهات واعتمده ابن مرزوق انظر بن وذكر في المج أن القول الثاني هو المشهور ( قوله : وحكم بين الكفار ) أي إذا ترافعوا إلينا في الإرث ( قوله : إن رضوا بأحكامنا ، ولم يأب بعض ) أي من الورثة ، ولا عبرة بإباية أساقفتهم ( قوله : إلا أن يسلم بعضهم ) استثناء من مفهوم الشرط كما أشار له الشارح وقوله إن لم يكونوا كتابيين مخرج من قوله إلا أن يسلم بعضهم قال ابن مرزوق لو قال المصنف وحكم بين الكفار بحكم المسلمين إن رضي الجميع أو أسلم البعض والباقي غير كتابي ، وإلا فبحكمهم لكان أخصر ، وأسلم من التعقيد . ا هـ . وقوله : وإلا أي ، وإلا يرض الجميع بأن أبى أحدهم وكلهم كفار أو أسلم بعضهم والباقي كتابي .

( تنبيه ) لو أسلم كل الورثة قبل قسم مال مورثهم الكافر فأبوا من حكم الإسلام فالراجح أنهم إن كانوا أهل كتاب حكم بينهم بحكم أهل الكتاب ، وإلا حكم بينهم بحكمنا قهرا عنهم وعلى هذا فإسلام الكل كإسلام بعضهم .

( قوله : وأشار للمانع الخامس إلخ ) اعلم أن عدم موجب الميراث هنا هو حصول الشك في الشرط الذي هو التقدم بالموت فإطلاق [ ص: 487 ] الشارح كابن الحاجب وابن شاس عليه مانعا فيه تجوز ، وأما المصنف فلم يعبر بمانع غاية ما فيه أنه نفى الإرث ( قوله : بأن ماتا تحت هدم مثلا ) أي أو بغرق أو بحرق وشمل كلام المصنف أيضا ما إذا ماتا معا أو مترتبين وجهل السابق ( قوله : زوجة أخرى ) أي وعاصب كعم مثلا ( قوله : وباقيه ) أي باقي مال البنين ( قوله : وسقط ) أي ذلك الأخ بمن يسقط به الأخ للأم كابن وابن ابن للميت وبنت وبنت ابن له وجد للميت




الخدمات العلمية