اللهم لا عيش إلا عيش الآخره فاغفر للأنصار والمهاجره
وجعل يقول :هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبرر بنا وأطهر
وأخرج البخاري أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل ، فلم يزد فيه ابن عمر أبو بكر شيئا وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد ، وأعاد عمده خشبا ، ثم غيرهعثمان فزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة ، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج . عن
وقال الأقفهسي في تاريخ المدينة : قيل كان عرض الجدار في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لبنة ثم إن المسلمين لما كثروا بنوه لبنة ونصفا ، ثم قالوا يا رسول الله لو أمرت لزدنا ، فقال : نعم فزادوا فيه ، وبنوا جداره لبنتين مختلفتين ، ولم يكن له سطح فشكوا الحر ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقيم له سوار من جذوع ، ثم طرحت عليها العوارض والحصر والإذخر ، فأصابتهم الأمطار فجعل يكف عليهم ، فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين ، فقال : عريش كعريش موسى ، والأمر أعجل من ذلك . ولما زاد فيه عمر جعل طوله مائة وأربعين ذراعا وعرضه مائة وعشرين ذراعا ، وبدل أساطينه بأخر من جذوع النخل ، وسقفه بجريد ، وجعل طول السقف أحد عشر ذراعا ، وفرشه بالحصى ، ولما زاد فيه عثمان - وذلك في ربيع الأول سنة تسع وعشرين - جعل طوله مائة وستين ذراعا وعرضه مائة وخمسين ذراعا وجعل أبوابه ستة . ولما زاد فيه وذلك بأمر عمر بن عبد العزيز - وكان عامله على الوليد بن [ ص: 35 ] عبد الملك المدينة - جعل طوله ما تقدم عن شرح المهذب ، وجعل على كل ركن من أركانه الأربعة منارة للأذان ، وجعل له عشرين بابا وبنى على الحجرة الشريفة حائطا ، ولم يلصقه بجدار الحجرة ولا بالسقف ، وطوله مقدار نصف قامة بالآجر ، فلما حج هدم المنارة التي هي قبل المسجد من الغرب ; لأنها كانت مطلة على دار سليمان بن عبد الملك مروان فأذن المؤذن ، فأطل على سليمان ، وهو في الدار فأمر بهدمها ، ثم زاد فيه المهدي سنة إحدى وستين ومائة ، ولم يزد بعده أحد شيئا ، ثم عمر سنة ست وسبعين وخمسمائة في صحنه قبة لحفظ حواصل الحرم وذخائره ، ثم احترق المسجد الشريف بالنار التي خرجت من الحرة في ليلة الجمعة أول شهر رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة ، فكتب بذلك إلى الخليفة الناصر فأرسل الصناع والآلات مع حجاج الخليفة المستعصم العراق سنة خمس وخمسين وستمائة ، فسقفوا في هذه السنة الحجرة الشريفة وما حولها إلى الحائط القبلي والشرقي إلى باب جبريل ، وسقفوا الروضة الشريفة إلى المنبر ، ثم قتل الخليفة سنة ست وخمسين واستولى التتار على بغداد ، فوصلت الآلات من صاحب اليمن الملك المظفر يوسف بن عمر بن رسول ، فعمل إلى باب السلام ، ثم عمل من باب السلام إلى باب الرحمة من سنة ثمان وخمسين من جهة صاحب مصر ، ثم انتقل الملك آخر هذه السنة إلى الملك المظفر قطز المعزي الملك الظاهر بيبرس الصالحي ، فعمل في أيامه باقي المسجد وجعلت الأبواب أربعة ، ثم لما حج سنة سبع وستين أراد أن يدير على الحجرة الشريفة داربزينا من خشب ، فقاس ما حولها بيده ، وأرسله سنة ثمان وستين وعمل له ثلاثة أبواب وطوله نحو مائتين ، ثم في سنة ثمان وسبعين في أيام الملك المنصور قلاوون عملت القبة على الحجرة الشريفة ، ثم في سنة أربع وتسعين في أيام الملك العادل كتبغا زيد في الداربزين الذي على الحجرة حتى وصل بسقف المسجد الشريف ، ثم في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة إحدى وسبعمائة جدد سقف الرواق الذي فيه الروضة الشريفة ، ثم جدد السقف الشرقي والغربي في سنة خمس وسبعمائة ، ثم أمر بعمارة المنارة الرابعة مكان التي هدمها فعمرت سنة ست وسبعمائة ، ثم أمر بإنشاء الرواقين في صحن المسجد من جهة القبلة في سنة تسع وعشرين وسبعمائة ، ثم في أيام سليمان بن عبد الملك الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون جددت القبة التي على الحجرة الشريفة ، ثم أحكمت في أيام الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون سنة خمس وستين وسبعمائة بأن سمر عليها ألواحا من [ ص: 36 ] خشب ومن فوقها ألواح الرصاص ، ثم في أيام سلطان العصر الملك الأشرف قايتباي في شهر رمضان سنة ست وثمانين وثمانمائة عمر قبة أخرى وأشياء في المسجد ، ثم أعقب ذلك نزول صاعقة من السماء فأحرقت المسجد بأسره ، وذلك في ليلة ثالث عشر رمضان سنة ست وثمانين ، فأرسل السلطان الصناع والآلات سنة سبع وثمانين وعليهم الخواجا شمس الدين بن الزمن ، فهدم الحائط القبلية ، وأراد أن يبني بجوار المسجد مدرسة باسم السلطان ويجعل الحائط مشتركا بين المسجد والمدرسة ، ويفتح فيه بابا يدخل منه إلى المسجد ، وشبابيك مطلة عليه ، فمنعه جماعة من أهل المدينة ، فأرسل يطلب مرسوما من السلطان بذلك فبلغه منع أهل المدينة ، فقال : استفتوا العلماء ، فأفتاه القضاة الأربعة وجماعة بالجواز ، وامتنع آخرون من ذلك ، وجاءني المستفتي يوم الأحد رابع عشري رجب من السنة المذكورة فجمعت الأحاديث المصدر بها ، وأرسلتها لقاضي القضاة الشافعي ، فذكر أنه يرى اختصاصها بالجدار النبوي وقد أزيل ، وهذا الجدار ملك السلطان يفتح فيه ما شاء ، ولا يصير وقفا إلا بوقفه ، فذكرت الجواب عن ذلك من تسعة وعشرين وجها ، وألحقتها بالأحاديث مع ما ذكر معها وأفردتها تأليفا ، ورأيت ليلة الثلاثاء سادس عشري رجب في المنام النبي صلى الله عليه وسلم وهو في همة وأنا واقف بين يديه فأرسلني لا أدري إلى عمر أو غيره ، ولا أدري هل أرسلني إليه لأدعوه أو لأبلغه رسالة ، ولم أضبط من المنام إلا هذا القدر ، فاستيقظت وأنا أرجو أن لا يتم لهم ما أرادوه ، ثم برز مرسوم السلطان بالفتح حسبما أفتاه من أفتاه ، وسافر القاصد بذلك في أواخر رجب وأرسل إلى رجلان من كبار أرباب الأحوال يخبراني أن هذا الأمر لا يتم ففي رمضان جاء الخبر بأن ذلك قد رجع عنه ، وعدلوا إلى الفتح من الجهة الغربية ، وأفتى بعض الحنفية بجواز ذلك لأن دار أبي بكر رضي الله عنه كانت من تلك الجهة ، وكان له باب مفتوح فيفتح نظيره فوجب النظر في ذلك .
فأقول : قد ثبت في الأحاديث السابقة وقرر العلماء أن أبا بكر رضي الله عنه لم يؤذن له في فتح الباب بل أمر بسد بابه ، وإنما أذن له في خوخة صغيرة وهي المرادة في حديث ، فلا يجوز الآن فتح باب كبير قطعا ، وليس لأحد أن يقول إن المعنى الاستطراق فيستوي الباب والخوخة في الجواز ، لأن النص من الشارع صلى الله عليه وسلم على التفرقة حيث أمر بسد بابه وأبقى خوخته يمنع من التسوية والإلحاق ، وأما جواز فتح الخوخة الآن فأقول : لو بقيت دار البخاري أبي بكر واتفق هدمها وإعادتها أعيدت بتلك الخوخة ، كما كانت بلا مرية ، وكان يجب مع ذلك أن يعاد مثل تلك الخوخة قدرا [ ص: 37 ] ومحلا ، فلا تجوز الزيادة فيها بالتوسعة ، ولا جعلها في موضع آخر من الحائط اقتصارا على ما ورد الإذن من الشارع الواقف فيه ، لكن دار أبي بكر هدمت وأدخلت في المسجد زمن عثمان ، وهل يجوز أن يبنى بإزائها دار يفتح منها خوخة نظير ذلك ؟ فيه نظر وتوقف فيحتمل المنع وهو الأقرب ; لأن تلك خصيصة كانت لأبي بكر فلا تتعدى داره ، ويحتمل الجواز لأمرين :
أحدهما : أن حق المرور قد ثبت من هذه البقعة التي بإزاء دار أبي بكر إلى المسجد بواسطة دار أبي بكر فيستمر .
والثاني : لا أبديه خوفا أن يتمسك به المتوسعون .
وعلى الاحتمال فإنما يجوز بشرطين يتعذر الآن وجودهما أن يكون الذي يفتح بقدر تلك الخوخة لا أوسع منه ، وأن يكون على سمتها لا في محل آخر ، والأمران لا يمكن الوقوف عليهما الآن للجهل بمقدار تلك الخوخة ومحلها ، وإذا لم يتحقق وجود الشرط امتنع المشروط ، فتلخص من ذلك القطع بالمنع من الخوخة ومن الشبابيك أيضا ، وبتحقق وجود الشرطين يجاب عن الأمر الثاني الذي رمزت إليه ، ولم أبده إن عثر عليه عاثر ، هذا ما عندي في ذلك .
خاتمة : وأما كسوة ابن أبي الهيجاء وزير ملك مصر ، بعد أن استأذن الحجرة الشريفة ، فأول من كساها فكساها ديباجا أبيض ، ثم بعد سنتين أرسل الخليفة المستضيء كسوة ديباجا بنفسجيا ، ثم أرسل الخليفة المستضيء لما ولي كسوة من الديباج الأسود ، ثم لما حجت أم الخليفة وعادت أرسلت كسوة كذلك ، ثم صارت ترسل الكسوة من جهة الخليفة الناصر مصر كل سبع سنين من الديباج الأسود . ذكر ذلك الأقفهسي .