الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            الوجه العاشر : إن قيل : فما الحكمة في هذا العدد بخصوصه ؟ فالجواب : أن السبع والثلاث لهما نظر في الشرع ، فما أريد تكريره فإنه يكرر في الغالب ثلاثا ، فإذا أريد المبالغة في تكريره كرر سبعا ؛ ولهذا كررت الطهارة في الوضوء والغسل ثلاثا ، ولما أريد المبالغة في طهارة النجاسة الكلبية كررت سبعا ، فلما كانت هذه الفتنة أشد فتنة تعرض على المؤمن جعل تكريرها سبعا ؛ لأنه أشد نوعي التكرير وأبلغه ، وفيه مناسبة ثانية وهي أن استعراض الأعمال على الصراط يكون على سبع عقبات ، ويروى على سبع قناطر ، وقد تقدم عن الحليمي أنه جعل سؤال القبر نظير إيقافه على الصراط ، فكان السؤال في القبر في سبعة أيام على نمط السؤال على الصراط في سبعة أمكنة .

            ومناسبة ثالثة : وهي أن الغالب الوقوع في الأحكام الشرعية يكون ثلاثا ، والنادر الوقوع يكون سبعا ؛ ولهذا كانت غسلات الوضوء والغسل وتسبيحات الركوع والسجود ونحو ذلك ثلاثا ، وأشواط الطواف والسعي وتكبيرات الركعة الأولى من [ ص: 230 ] صلاة العيدين والاستسقاء سبعا ، فلما كان السؤال لا يقع في الدهر للإنسان إلا نوبة واحدة كرر سبعا .

            ومناسبة رابعة : وهي أن أيام الأسبوع سبعة ، ولا ثامن للأيام في الدنيا بل ولا في الآخرة ، وقد ورد الحديث أن أيام الأسبوع تشهد للإنسان بما عمل فيها من خير ، وتشهد عليه بما عمل فيها من شر ، فناسب أن يسأل أول ما ينزل قبره مدة الأيام السبعة الشاهدة له وعليه .

            ومناسبة خامسة : وهي أن السؤال يعقبه الخلاص من الهوي إلى سجين ، وذلك تحت سبع أرضين ، والعروج إلى عليين وذلك فوق سبع سماوات ، فناسب أن يسأل سبعة أيام ليكون كل يوم في مقابلة خلاص من أرض وعروج إلى سماء .

            ومناسبة سادسة : وهي أن الحديث ورد أن مدة الدنيا كلها جمعة من جمع الآخرة ، وذلك سبعة آلاف سنة ؛ لأن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ، فناسب أن يكون السؤال الموصل للجنة مدة جمعة من جمع الدنيا وذلك سبعة أيام .

            ومناسبة سابعة : وهي أن السؤال إذا أحسن الجواب عنه ثبت إيمانه وخلص بذلك من أن يكون من أهل جهنم وهي سبع طبقات لها سبعة أبواب ، فناسب أن يسأل سبعا ليكون كل يوم في مقابلة الخلاص من طبقة وباب ، فهذه سبع مناسبات في السبعة ، والسبع المعتبرة في الشرع والخلق كثيرة جدا .

            وقد استدل ابن عباس على أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين بأن الله جعل السماوات سبعا ، والأرض سبعا ، والطواف سبعا ، وخلق الإنسان من سبع ، وما أنبتت الأرض سبع .

            وورد في أثر أن الإنسان يميز في سبع ، ثم يحتلم في سبع ، ثم يكمل طوره في سبع ، ثم يكمل عقله في سبع ، فظهر مناسبة اعتبار هذا العدد بخصوصه ، وقد قلت في ذلك أبياتا :


            في عام سبع أتى سبع المنية إذ من بعد سبع وسبع كان قد غبرا     إذ مر من أشهر القبطي سبع ربى
            لبرهمات الذي بالطعن قد شهرا     وشاع في هذه الأيام مسألة
            النقل عني فيها في الورى أثرا     بأن ميت هذا الخلق يسأل في
            سبع من الدهر مهما غاب أو قبرا     فثار فيها هرير من أولي سفه
            فجاءهم أي سبع في الوغى كسرا     أبديت في حكمة الأعداد مبتكرا
            من التناسب سبعا أنجما زهرا     يا رب من سبع نيران أجرني
            بالسبع المثاني وجد بالعفو مقتدرا



            التالي السابق


            الخدمات العلمية