مسألة : فيما رواه بعض أهل هذا الزمان لشخص من أكابر الأعيان أن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية ستة أنفس ، وذلك أن شيخه أخبره أنه روى عن شخص من أصحاب سيدي يوسف عن شيخه النسر - أي عن شيخه - سيدي أبي العباس الملثم ، عن معمر الصحابي : أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه يوم الخندق وهو ينقل التراب بغلقين ، وبقية الصحابة ينقلون بغلق واحد ، فضرب بكفه الشريف بين كتفيه ، وقال له : " عمرك الله يا معمر " فعاش بعد ذلك أربعمائة سنة ببركة الضربات التي ضربها بين كتفيه ، فإنها كانت أربع ضربات بعدد كل مائة سنة ، وقال له بعد أن صافحه : من صافحك إلى ست أو سبع لم تمسه النار ، أروى ذلك أحد من الأئمة أم هو كذب وافتراء ، لا يجوز لأحد نقله لأحد من الناس فضلا عن أكابر الأمراء ؟ .
الجواب : هذا الحديث رواه الشيخ صلاح الدين الطرابلسي مرة في مجلس الأمير تمراز ، وكنت حاضرا ، فقلت له : هذا باطل ، ومعمر هذا كذاب دجال ، وأوردت له الحديث الصحيح الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر : " " ، وقلت له : إن أهل الحديث وغيرهم [ ص: 118 ] قالوا : إن أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد فهو كاذب ، وأن آخر الصحابة موتا من ادعى الصحبة بعد مائة سنة من وفاته صلى الله عليه وسلم ، مات سنة عشر ومائة من الهجرة ، فقال لي : لا بد من نقل في هذا بخصوصه ، فلما رجعت رأيت الميزان أبو الطفيل للذهبي ، فرأيته ذكر معمر بن بريك ، وأنه عمر مئين من السنين ، وروي عنه أحاديث خماسية باطلة ، وهي كذب واضح ، وقال : إنه من نمط ، فقبح الله من يكذب ، فأرسلت الميزان رتن الهندي للشيخ صلاح الدين فرآه فشكر ودعا ، ثم بعد مدة أراني شخص ورقة فيها تحديث الشيخ صلاح الدين بهذا الحديث ، وإجازته إياه ، فكتبت فيها أن هذا الحديث كذب ، لا تحل روايته ، ولا التحديث به ، فليعلم كل مسلم أن معمرا هذا دجال كذاب ، وقصته هذه كذب وافتراء ، لا يحل لمسلم أن يحدث بها ولا يرويها ، ومن فعل ذلك دخل في قوله صلى الله عليه وسلم : " " . من كذب علي فليتبوء مقعده من النار
ثم رأيت بعد ذلك فتيا قدمت للحافظ أبي الفضل بن حجر في معمر هذا ، فكتب عليها ما نصه - لا تخلو طريق من طريق المعمر عن متوقف فيه - حتى المعمر نفسه - فإن من يدعي هذه الرتبة يتوقف على ثبوت العدالة ، وثبوت ذلك عقلا لا يفيد مع ورود الشرع بنفيه ; فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر في الأحاديث الصحيحة بانخرام قرنه بعد مائة سنة من يوم مقالته المشهورة ، فمن ادعى الصحبة بعد ذلك لزم أن يكون مخالفا لظاهر الخبر .
ثم رأيت فتيا أخرى رفعت له ، فكتب عليها ما نصه - هذا الحديث لا أصل له والمعمر المذكور إما كذاب أو اختلقه كذاب ، مطلقا وآخر الصحابة موتا - ثبت ذلك في صحيح أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي ، واتفق عليه العلماء ، واحتج مسلم بحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال قبل موته بقليل : " البخاري " وأراد بذلك انخرام القرن ، فكل من ادعى الصحبة بعد إن على رأس مائة سنة من تلك الليلة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها أحد فهو كاذب ، انتهى جواب أبي الطفيل الحافظ ابن حجر .