الجواب الثاني : أن يقدر في الآية : إنا كنا من قبله به مسلمين ، فوصف الإسلام سببه القرآن لا التوراة والإنجيل ، ويرشح ذلك ذكر الصلة في الآية الأولى حيث قال : " هم به يؤمنون " فدل على أن الصلة مرادة في الثانية أيضا ، وإنما حذفت كراهة لتكرارها في الآية [ ص: 153 ] مرتين ، حيث ذكرت في قوله : ( قالوا آمنا به ) وكره إعادتها مرة أخرى في الآية ، وحذفت إزالة لتعلق التكرار .
الجواب الثالث : أن هذا الوصف منهم بناء على مذهب الأشعري من أن من كتب الله أنه يموت مؤمنا فهو يسمى عند الله مؤمنا ولو في حالة كفر سبقت ، وكذا بالعكس والعياذ بالله ، وإنما لم يطلق عليه هذا الوصف عندنا لعدم علمنا بالخواتم والمستقبلات ، فكذلك هؤلاء لما ختم لهم بالدخول في الإسلام وصفوا أنفسهم به من أول أمرهم ; لأن العبرة في هذا الوصف بالخاتمة ، وإذا كان الكافر المشرك يوصف في حال شركه بأنه مؤمن عند الأشعري لما قدر له من الإيمان عند الخاتمة ، فلأن يوصف بالإسلام [ من كان على دين حق لما قدر له من الدخول في الإسلام ] عند الخاتمة من باب أولى ، وهذا معنى دقيق استفدناه في هذه الآية من قواعد علم الكلام ، وبهذا يعرف أن من لم يتقن العلوم كلها ويطلع على مذاهب علماء الأمة ومداركها وقواعدها لم يمكنه استدلال ولا استنباط ، وهذا أمر ليس بالهين :
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
فصل : حيث ذكر الله هذه الأمة في القرآن ذكرها بالإسلام أو الإيمان خطابا وغيبة ، كقوله : ( هو سماكم المسلمين ) ، ( ياأيها الذين آمنوا ) ، ( أيها المؤمنون ) . وحيث ذكر الأمم السابقة لم يصفهم قط بإسلام لا إن ذمهم ولا إن مدحهم بل [ قال ] : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين ) ، وقال : ( قل ياأيها الذين هادوا إن زعمتم ) . وقال : ( يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ) وقال : ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ) الآيات . فهذه الآية ذكرت مدحا لمؤمني النصارى ولم يسمهم مسلمين بل قال : ( الذين قالوا إنا نصارى ) ، وقال في غير آية عند مدح المؤمنين منهم ومن اليهود : ( الذين آتيناهم الكتاب ) ، [ ص: 154 ] ( وإن من أهل الكتاب ) ، فأكثر ما أطلق عليهم عند المدح وصفهم بأنهم أوتوا الكتاب ، ومن أهل الكتاب هذا في كتابنا ، وأما كتبهم فوصف فيها هذه الأمة بالإسلام كما قال : ( هو سماكم المسلمين من قبل ) ، قال : أي في التوراة والإنجيل ولم يصفهم فيها بالإسلام البتة ، أخرج سفيان بن عيينة في تفسيره عن ابن أبي حاتم خيثمة قال : ما تقرءون في القرآن : " ياأيها الذين آمنوا " فإنه في التوراة يا أيها المساكين .