[ ص: 178 ] أنباء الأذكياء بحياة الأنبياء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . وقع السؤال : قد اشتهر أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره وورد أنه صلى الله عليه وسلم قال : ، فظاهره مفارقة الروح [ له ] في بعض الأوقات فكيف الجمع ؟ وهو سؤال حسن يحتاج إلى النظر والتأمل . ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام
فأقول : حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا علما قطعيا لما قام عندنا من الأدلة في ذلك وتواترت [ به ] الأخبار ، وقد ألف جزءا في البيهقي ، فمن الأخبار الدالة على ذلك ما أخرجه حياة الأنبياء في قبورهم عن مسلم أنس بموسى عليه السلام وهو يصلي في قبره ، وأخرج أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر موسى عليه السلام وهو قائم يصلي فيه ، وأخرج أبو يعلى في مسنده ، في كتاب حياة الأنبياء عن والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أنس ، وأخرج الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون أبو نعيم في الحلية عن يوسف بن عطية قال : سمعت يقول ثابتا البناني لحميد الطويل : هل بلغك أن أحدا يصلي في قبره إلا الأنبياء ؟ قال : لا ، وأخرج أبو داود عن والبيهقي أوس بن أوس الثقفي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ، وأخرج من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي الصلاة فيه ، فإن صلاتكم تعرض علي ، قالوا : يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت ؟ يعني : بليت ، فقال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسام الأنبياء في شعب الإيمان ، البيهقي والأصبهاني في الترغيب عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيا بلغته .
وأخرج في تاريخه عن البخاري عمار سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ، وأخرج إن لله تعالى ملكا أعطاه أسماع الخلائق قائم على قبري فما من أحد يصلي علي صلاة إلا بلغتها في حياة الأنبياء ، البيهقي والأصبهاني في الترغيب عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنس من صلى علي مائة في يوم الجمعة وليلة الجمعة ، قضى الله له مائة حاجة سبعين من حوائج الآخرة وثلاثين من حوائج الدنيا ، ثم وكل الله بذلك ملكا يدخله علي في قبري كما [ ص: 179 ] يدخل عليكم الهدايا ، إن علمي بعد موتي كعلمي في الحياة ، ولفظ : البيهقي يخبرني من صلى علي باسمه ونسبه ، فأثبته عندي في صحيفة بيضاء ، وأخرج عن البيهقي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أنس إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ، ولكنهم يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور ، وروى في الجامع قال : قال شيخ لنا : عن سفيان الثوري قال : ما مكث نبي في قبره أكثر من أربعين حتى يرفع ، قال سعيد بن المسيب : فعلى هذا يصيرون كسائر الأحياء يكونون حيث ينزلهم الله ، ثم قال البيهقي : ولحياة الأنبياء بعد موتهم شواهد ، فذكر قصة الإسراء في لقيه جماعة من الأنبياء وكلمهم وكلموه ، وأخرج حديث البيهقي في الإسراء وفيه : أبي هريرة موسى قائم يصلي فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة ، وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلي ، وإذا إبراهيم قائم يصلي ، أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه - فحانت الصلاة فأممتهم . وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا
وأخرج حديث : " " ، وقال : هذا إنما يصح على أن الله رد على الأنبياء أرواحهم وهم أحياء عند ربهم كالشهداء ، فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى صعقوا فيمن صعق ثم لا يكون ذلك موتا في جميع معانيه إلا في ذهاب الاستشعار ، انتهى ، وأخرج إن الناس يصعقون ، فأكون أول من يفيق أبو يعلى عن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أبي هريرة عيسى ابن مريم ، ثم لئن قام على قبري ، فقال : يا محمد لأجيبنه ، وأخرج والذي نفسي بيده لينزلن أبو نعيم في دلائل النبوة عن قال : لقد رأيتني ليالي الحرة وما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري وما يأتي وقت صلاة إلا سمعت الأذان من القبر . سعيد بن المسيب
وأخرج في أخبار الزبير بن بكار المدينة عن قال : لم أزل أسمع الأذان والإقامة في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الحرة حتى عاد الناس ، وأخرج سعيد بن المسيب ابن سعد في الطبقات عن أنه كان يلازم المسجد أيام الحرة والناس يقتتلون قال : فكنت إذا حانت الصلاة أسمع أذانا يخرج من قبل القبر الشريف ، وأخرج سعيد بن المسيب في سنده قال : أنبأنا الدارمي مروان بن محمد عن سعيد بن عبد العزيز قال : لما كان أيام الحرة لم يؤذن في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا ولم يقم ، ولم يبرح المسجد وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهمة يسمعها من قبر النبي صلى الله عليه وسلم معناه ، فهذه الأخبار دالة على حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء ، وقد قال تعالى في الشهداء : ( سعيد بن المسيب ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) [ ص: 180 ] والأنبياء أولى بذلك ، فهم أجل وأعظم ، وما نبي إلا وقد جمع مع النبوة وصف الشهادة ، فيدخلون في عموم لفظ الآية .
وأخرج أحمد ، وأبو يعلى ، ، والطبراني والحاكم في المستدرك ، في دلائل النبوة عن والبيهقي قال : لإن أحلف تسعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل ، وذلك أن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا ، وأخرج ابن مسعود ، البخاري عن والبيهقي عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي توفي فيه : بخيبر ، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم ، فثبت كونه صلى الله عليه وسلم حيا في قبره بنص القرآن ، إما من عموم اللفظ ، وإما من مفهوم الموافقة ، قال لم أزل أجد ألم الطعام الذي أكلت في كتاب الاعتقاد : الأنبياء بعدما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء ، وقال البيهقي القرطبي في التذكرة في حديث الصعقة نقلا عن شيخه : الموت ليس بعدم محض ، وإنما هو انتقال من حال إلى حال ، ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء يرزقون فرحين مستبشرين وهذه صفة الأحياء في الدنيا ، وإذا كان هذا في الشهداء فالأنبياء أحق بذلك وأولى ، وقد صح أن ، وأنه صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء بيت المقدس وفي السماء ، ورأى موسى قائما يصلي في قبره وأخبر صلى الله عليه وسلم بأنه يرد السلام على كل من يسلم عليه ، إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أن غيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين أحياء ، وذلك كالحال في الملائكة فإنهم موجودون أحياء ولا يراهم أحد من نوعنا إلا من خصه الله بكرامته من أوليائه ، انتهى ، وسئل عن النبي صلى الله عليه وسلم هل هو حي بعد وفاته ؟ فأجاب : إنه صلى الله عليه وسلم حي . البارزي
قال الأستاذ الأصولي شيخ الشافعية في أجوبة مسائل الجاجرميين قال : المتكلمون المحققون من أصحابنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم حي بعد وفاته ، وأنه يسر بطاعات أمته ويحزن بمعاصي العصاة منهم ، وأنه تبلغه صلاة من يصلي عليه من أمته ، وقال : إن الأنبياء لا يبلون ولا تأكل الأرض منهم شيئا ، وقد مات أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي الفقيه موسى في زمانه وأخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أنه رآه في قبره مصليا ، وذكر في حديث المعراج أنه رآه في السماء الرابعة وأنه رأى آدم في السماء الدنيا ، ورأى إبراهيم وقال له [ ص: 181 ] مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ، وإذا صح لنا هذا الأصل قلنا : نبينا صلى الله عليه وسلم قد صار حيا بعد وفاته وهو على نبوته ، هذا آخر كلام الأستاذ .
وقال الحافظ شيخ السنة في كتاب الاعتقاد : الأنبياء عليهم السلام بعدما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء ، وقد رأى نبينا صلى الله عليه وسلم جماعة منهم وأمهم في الصلاة وأخبر - وخبره صدق - أن صلاتنا معروضة عليه ، وأن سلامنا يبلغه ، وأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ، قال : وقد أفردنا لإثبات حياتهم كتابا قال : وهو بعدما قبض نبي الله ورسوله وصفيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وسلم ، اللهم أحينا على سننه وأمتنا على ملته واجمع بيننا وبينه في الدنيا والآخرة ، إنك على كل شيء قدير ، انتهى جواب أبو بكر البيهقي . البارزي
وقال الشيخ عفيف الدين اليافعي : الأولياء ترد عليهم أحوال يشاهدون فيها ملكوت السماوات والأرض وينظرون الأنبياء أحياء غير أموات كما نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى موسى عليه السلام في قبره ، قال : وقد تقرر أن ما جاز للأنبياء معجزة جاز للأولياء كرامة بشرط عدم التحدي ، قال : ولا ينكر ذلك إلا جاهل ، ونصوص العلماء في حياة الأنبياء كثيرة فلنكتف بهذا القدر .