أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81لتؤمنن به ولتنصرنه ) ، فالمعنى ظاهر ، وذلك لأنه تعالى أوجب الإيمان به أولا ، ثم الاشتغال بنصرته ثانيا ، واللام في (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81لتؤمنن به ) لام القسم ، كأنه قيل : والله لتؤمنن به .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : إن فسرنا قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ) بأنه تعالى أخذ المواثيق على الأنبياء كان قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81أأقررتم ) معناه : قال الله تعالى للنبيين أأقررتم بالإيمان به والنصرة له وإن فسرنا أخذ الميثاق بأن
nindex.php?page=treesubj&link=32026الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - أخذوا المواثيق على الأمم كان معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81قال أأقررتم ) أي قال كل نبي لأمته أأقررتم ، وذلك لأنه تعالى أضاف أخذ الميثاق إلى نفسه ، وإن كان النبيون أخذوه على الأمم ، فكذلك طلب هذا الإقرار أضافه إلى نفسه وإن وقع من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، والمقصود أن الأنبياء بالغوا في إثبات هذا المعنى وتأكيده ، فلم يقتصروا على أخذ الميثاق على الأمم ، بل طالبوهم بالإقرار بالقول ، وأكدوا ذلك بالإشهاد .
المسألة الثانية : الإقرار في اللغة منقول بالألف من قر الشيء يقر ، إذا ثبت ولزم مكانه ، وأقره غيره والمقر بالشيء يقره على نفسه أي يثبته .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ) أي قبلتم عهدي ، والأخذ بمعنى القبول كثير في الكلام ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48ولا يؤخذ منها عدل ) [ البقرة : 48 ] أي يقبل منها فدية ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=104ويأخذ الصدقات ) [ التوبة : 104 ] أي
[ ص: 106 ] يقبلها ، والإصر هو الذي يلحق الإنسان لأجل ما يلزمه من عمل ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ولا تحمل علينا إصرا ) [ البقرة : 286 ] ، فسمى العهد إصرا لهذا المعنى ، قال صاحب " الكشاف " : سمي العهد إصرا ؛ لأنه مما يؤصر أي يشد ويعقد ، ومنه الإصار الذي يعقد به ، وقرئ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81إصري ) ويجوز أن يكون لغة في إصر .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) ، وفي تفسير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81فاشهدوا ) وجوه :
الأول : فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار ، وأنا على إقراركم وإشهاد بعضكم بعضا (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81من الشاهدين ) ، وهذا توكيد عليهم وتحذير من الرجوع إذا علموا شهادة الله وشهادة بعضهم على بعض . الثاني : أن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81فاشهدوا ) خطاب للملائكة . الثالث : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81فاشهدوا ) أي ليجعل كل أحد نفسه شاهدا على نفسه ، ونظيره قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ) [ الأعراف : 172 ] على أنفسنا ، وهذا من باب المبالغة .
الرابع : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81فاشهدوا ) أي بينوا هذا الميثاق للخاص والعام ، لكي لا يبقى لأحد عذر في الجهل به ، وأصله أن الشاهد هو الذي يبين صدق الدعوى . الخامس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81فاشهدوا ) أي فاستيقنوا ما قررته عليكم من هذا الميثاق ، وكونوا فيه كالمشاهد للشيء المعاين له .
السادس : إذا قلنا إن أخذ الميثاق كان من الأمم ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81فاشهدوا ) خطاب للأنبياء - عليهم السلام - بأن يكونوا شاهدين عليهم .
وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81وأنا معكم من الشاهدين ) فهو للتأكيد وتقوية الإلزام ، وفيه فائدة أخرى وهي أنه تعالى وإن أشهد غيره ، فليس محتاجا إلى ذلك الإشهاد ؛ لأنه تعالى لا يخفى عليه خافية لكن لضرب من المصلحة ؛ لأنه سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى ، ثم إنه تعالى ضم إليه تأكيدا آخر ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=82فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) يعني من أعرض عن الإيمان بهذا الرسول وبنصرته بعد ما تقدم من هذه الدلائل كان من الفاسقين ، ووعيد الفاسق معلوم ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=82فمن تولى بعد ذلك ) هذا شرط ، والفعل الماضي ينقلب مستقبلا في الشرط والجزاء ، والله أعلم .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) ، فَالْمَعْنَى ظَاهِرٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ الْإِيمَانَ بِهِ أَوَّلًا ، ثُمَّ الِاشْتِغَالَ بِنُصْرَتِهِ ثَانِيًا ، وَاللَّامُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ) لَامُ الْقَسَمِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : وَاللَّهِ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : إِنْ فَسَّرْنَا قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ ) بِأَنَّهُ تَعَالَى أَخَذَ الْمَوَاثِيقَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ كَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81أَأَقْرَرْتُمْ ) مَعْنَاهُ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلنَّبِيِّينَ أَأَقْرَرْتُمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَالنُّصْرَةِ لَهُ وَإِنْ فَسَّرْنَا أَخْذَ الْمِيثَاقِ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32026الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَذُوا الْمَوَاثِيقَ عَلَى الْأُمَمِ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ ) أَيْ قَالَ كُلُّ نَبِيٍّ لِأُمَّتِهِ أَأَقْرَرْتُمْ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ أَخْذَ الْمِيثَاقِ إِلَى نَفْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّونَ أَخَذُوهُ عَلَى الْأُمَمِ ، فَكَذَلِكَ طَلَبُ هَذَا الْإِقْرَارِ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ وَإِنْ وَقَعَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ بَالَغُوا فِي إِثْبَاتِ هَذَا الْمَعْنَى وَتَأْكِيدِهِ ، فَلَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى أَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَى الْأُمَمِ ، بَلْ طَالَبُوهُمْ بِالْإِقْرَارِ بِالْقَوْلِ ، وَأَكَّدُوا ذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْإِقْرَارُ فِي اللُّغَةِ مَنْقُولٌ بِالْأَلِفِ مِنْ قَرَّ الشَّيْءُ يَقِرُّ ، إِذَا ثَبَتَ وَلَزِمَ مَكَانَهُ ، وَأَقَرَّهُ غَيْرُهُ وَالْمُقِرُّ بِالشَّيْءِ يُقِرُّهُ عَلَى نَفْسِهِ أَيْ يُثْبِتُهُ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي ) أَيْ قَبِلْتُمْ عَهْدِي ، وَالْأَخْذُ بِمَعْنَى الْقَبُولِ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ) [ الْبَقَرَةِ : 48 ] أَيْ يُقْبَلُ مِنْهَا فِدْيَةٌ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=104وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ ) [ التَّوْبَةِ : 104 ] أَيْ
[ ص: 106 ] يَقْبَلُهَا ، وَالْإِصْرُ هُوَ الَّذِي يَلْحَقُ الْإِنْسَانَ لِأَجْلِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ عَمَلٍ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا ) [ الْبَقَرَةِ : 286 ] ، فَسَمَّى الْعَهْدَ إِصْرًا لِهَذَا الْمَعْنَى ، قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : سُمِّيَ الْعَهْدُ إِصْرًا ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُؤْصَرُ أَيْ يُشَدُّ وَيُعْقَدُ ، وَمِنْهُ الْإِصَارُ الَّذِي يُعْقَدُ بِهِ ، وَقُرِئَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81إِصْرِي ) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لُغَةً فِي إِصْرٍ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) ، وَفِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81فَاشْهَدُوا ) وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : فَلْيَشْهَدْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْإِقْرَارِ ، وَأَنَا عَلَى إِقْرَارِكُمْ وَإِشْهَادِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81مِنَ الشَّاهِدِينَ ) ، وَهَذَا تَوْكِيدٌ عَلَيْهِمْ وَتَحْذِيرٌ مِنَ الرُّجُوعِ إِذَا عَلِمُوا شَهَادَةَ اللَّهِ وَشَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ . الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81فَاشْهَدُوا ) خِطَابٌ لِلْمَلَائِكَةِ . الثَّالِثُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81فَاشْهَدُوا ) أَيْ لِيَجْعَلْ كُلُّ أَحَدٍ نَفْسَهُ شَاهِدًا عَلَى نَفْسِهِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ) [ الْأَعْرَافِ : 172 ] عَلَى أَنْفُسِنَا ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْمُبَالَغَةِ .
الرَّابِعُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81فَاشْهَدُوا ) أَيْ بَيِّنُوا هَذَا الْمِيثَاقَ لِلْخَاصِّ وَالْعَامِّ ، لِكَيْ لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ عُذْرٌ فِي الْجَهْلِ بِهِ ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الشَّاهِدَ هُوَ الَّذِي يُبَيِّنُ صِدْقَ الدَّعْوَى . الْخَامِسُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81فَاشْهَدُوا ) أَيْ فَاسْتَيْقِنُوا مَا قَرَّرْتُهُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْمِيثَاقِ ، وَكُونُوا فِيهِ كَالْمُشَاهِدِ لِلشَّيْءِ الْمُعَايِنِ لَهُ .
السَّادِسُ : إِذَا قُلْنَا إِنَّ أَخْذَ الْمِيثَاقِ كَانَ مِنَ الْأُمَمِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81فَاشْهَدُوا ) خِطَابٌ لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - بِأَنْ يَكُونُوا شَاهِدِينَ عَلَيْهِمْ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) فَهُوَ لِلتَّأْكِيدِ وَتَقْوِيَةِ الْإِلْزَامِ ، وَفِيهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى وَإِنْ أَشْهَدَ غَيْرَهُ ، فَلَيْسَ مُحْتَاجًا إِلَى ذَلِكَ الْإِشْهَادِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ لَكِنْ لِضَرْبٍ مِنَ الْمَصْلَحَةِ ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ضَمَّ إِلَيْهِ تَأْكِيدًا آخَرَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=82فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) يَعْنِي مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الْإِيمَانِ بِهَذَا الرَّسُولِ وَبِنُصْرَتِهِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذِهِ الدَّلَائِلِ كَانَ مِنَ الْفَاسِقِينَ ، وَوَعِيدُ الْفَاسِقِ مَعْلُومٌ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=82فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ ) هَذَا شَرْطٌ ، وَالْفِعْلُ الْمَاضِي يَنْقَلِبُ مُسْتَقْبَلًا فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .