المسألة الثانية : اعلم أنا استخرجنا لقول من يقول : الاسم نفس المسمى تأويلا لطيفا دقيقا ، وبيانه أن ، ولفظ الاسم كذلك ، فوجب أن يكون لفظ الاسم اسما لنفسه ، فيكون لفظ الاسم مسمى بلفظ الاسم ، ففي هذه الصورة الاسم نفس المسمى ، إلا أن فيه إشكالا ، وهو أن كون الاسم اسما للمسمى من باب الاسم المضاف ، وأحد المضافين لا بد وأن يكون مغايرا للآخر . الاسم اسم لكل لفظ دل على معنى من غير أن يدل على زمان معين
[ ص: 96 ]
المسألة الثالثة : في ذكر الدلائل الدالة على أن الاسم لا يجوز أن يكون هو المسمى ، وفيه وجوه :
الأول : أن الاسم قد يكون موجودا مع كون المسمى معدوما ، فإن قولنا " المعدوم منفي " معناه سلب لا ثبوت له ، والألفاظ موجودة مع أن المسمى بها عدم محض ونفي صرف ، وأيضا قد يكون المسمى موجودا والاسم معدوما مثل الحقائق التي ما وضعوا لها أسماء معينة ، وبالجملة فثبوت كل واحد منهما حال عدم الآخر معلوم مقرر وذلك يوجب المغايرة .
الثاني : أن الأسماء تكون كثيرة مع كون المسمى واحدا كالأسماء المترادفة ، وقد يكون الاسم واحدا والمسميات كثيرة كالأسماء المشتركة ، وذلك أيضا يوجب المغايرة .
الثالث : أن كون الاسم اسما للمسمى وكون المسمى بالاسم من باب الإضافة كالمالكية والمملوكية ، وأحد المضافين مغاير للآخر ولقائل أن يقول : يشكل هذا بكون الشيء عالما بنفسه .
الرابع : الاسم أصوات مقطعة وضعت لتعريف المسميات ، وتلك الأصوات أعراض غير باقية ، والمسمى قد يكون باقيا ، بل يكون واجب الوجود لذاته .
الخامس : أنا إذا تلفظنا بالنار والثلج فهذان اللفظان موجودان في ألسنتنا ، فلو كان الاسم نفس المسمى لزم أن يحصل في ألسنتنا النار والثلج ، وذلك لا يقوله عاقل .
السادس : قوله تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) [ الأعراف : 180 ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " " فههنا الأسماء كثيرة والمسمى واحد ، وهو الله عز وجل . إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما
السابع : أن قوله تعالى : " بسم الله " وقوله : ( تبارك اسم ربك ) [ الرحمن : 78 ] ففي هذه الآيات يقتضي إضافة الاسم إلى الله تعالى وإضافة الشيء إلى نفسه محال .
الثامن : أنا ندرك تفرقة ضرورية بين قولنا اسم الله ، وبين قولنا اسم الاسم وبين قولنا الله الله ، وهذا يدل على أن الاسم غير المسمى .
التاسع : أنا نصف الأسماء بكونها عربية وفارسية فنقول : الله اسم عربي ، وخداي اسم فارسي ، وأما ذات الله تعالى فمنزه عن كونه كذلك .
العاشر : قال الله تعالى ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) [ الأعراف : 180 ] أمرنا بأن ندعو الله بأسمائه فالاسم آلة الدعاء ، والمدعو هو الله تعالى ، والمغايرة بين ذات المدعو وبين اللفظ الذي يحصل به الدعاء معلوم بالضرورة .
واحتج من قال : الاسم هو المسمى بالنص ، والحكم ، أما النص فقوله تعالى : ( تبارك اسم ربك ) [ الرحمن : 78 ] والمتبارك المتعالي هو الله تعالى لا الصوت ولا الحرف ، وأما الحكم فهو أن الرجل إذا قال : زينب طالق ، وكان زينب اسما لامرأته وقع عليها الطلاق ، ولو كان الاسم غير المسمى لكان قد أوقع الطلاق على غير تلك المرأة ، فكان يجب أن لا يقع الطلاق عليها .
والجواب عن الأول أن يقال : لم لا يجوز أن يقال : كما أنه يجب علينا أن نعتقد كونه تعالى منزها عن [ ص: 97 ] النقائص والآفات ، فكذلك يجب علينا تنزيه الألفاظ الموضوعة لتعريف ذات الله تعالى وصفاته عن العبث والرفث وسوء الأدب .
وعن الثاني أن قولنا : زينب طالق معناه أن الذات التي يعبر عنها بهذا اللفظ طالق ، فلهذا السبب وقع الطلاق عليها .
المسألة الرابعة : التسمية عندنا غير الاسم والدليل عليه أن التسمية عبارة عن تعيين اللفظ المعين لتعريف الذات المعينة ، وذلك التعيين معناه قصد الواضع وإرادته ، وأما الاسم فهو عبارة عن تلك اللفظة المعينة . والفرق بينهما معلوم بالضرورة .