( 3342 ) مسألة : قال : وإذا جنى العبد المرهون ، فالمجني عليه أحق برقبته من مرتهنه ، حتى يستوفي حقه ، فإن اختار سيده أن يفديه وفعل ، فهو رهن بحاله وجملته أن تعلقت الجناية برقبته ، فكانت مقدمة على حق المرتهن . لا نعلم في هذا خلافا ; وذلك لأن الجناية مقدمة على حق المالك ، والملك أقوى من الرهن ، فأولى أن يقدم على الرهن . العبد المرهون إذا جنى على إنسان ، أو على ماله ،
فإن قيل : فحق المرتهن أيضا يقدم على حق المالك . قلنا : حق المرتهن ثبت من جهة المالك بعقده ، وحق الجناية ثبت بغير اختياره مقدما على حقه ، فيقدم على ما ثبت بعقده ، ولأن حق الجناية مختص بالعين ، يسقط بفواتها ، وحق المرتهن لا يسقط بفوات العين ، ولا يختص بها ، فكان تعلقه بها أخف وأدنى ، فإن كانت جنايته موجبة للقصاص ، فلولي الجناية استيفاؤه ، فإن اقتص سقط الرهن ، كما لو تلف ، وإن عفا على مال تعلق برقبة العبد ، وصار كالجناية الموجبة للمال ، فيقال للسيد : أنت مخير بين فدائه وبين تسليمه للبيع
فإن اختار فداءه ، فبكم يفديه ؟ على روايتين ; إحداهما ، بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته ; لأنه إن كان الأرش أقل ، فالمجني عليه لا يستحق أكثر من أرش جنايته ، وإن كانت القيمة أقل ، فلا يلزمه أكثر منها ، لأن ما يدفعه عوض عن العبد ، فلا يلزم أكثر من قيمته ، كما لو أتلفه
والثانية ، يفديه بأرش جنايته بالغا ما بلغ ; لأنه ربما يرغب فيه راغب ، فيشتريه بأكثر من قيمته ، فإذا فداه فهو رهن بحاله ; لأن حق المرتهن قائم لوجود سببه ، وإنما [ ص: 241 ] قدم حق المجني عليه لقوته ، فإذا زال ظهر حكم الرهن ، كحق من لا رهن له مع حق المرتهن في تركة مفلس ، إذا أسقط المرتهن حقه ظهر حكم الآخر ، فإن امتنع قيل للمرتهن : أنت مخير بين فدائه وبين تسليمه
فإن اختار فداءه ، فبكم يفديه ؟ على الروايتين . فإن فداه بإذن الراهن ، رجع به عليه ; لأنه أدى الحق عنه بإذنه ، فرجع به ، كما لو قضى دينه بإذنه ، وإن فداه متبرعا ، لم يرجع بشيء . وإن نوى الرجوع ، فهل يرجع بذلك ؟ على وجهين ، بناء على ما لو قضى دينه بغير إذنه . وإن زاد في الفداء على الواجب ، لم يرجع به ، وجها واحدا . ومذهب كما ذكرنا في هذا الفصل ، إلا أنه لا يرجع بما فداه به بغير إذنه ، قولا واحدا الشافعي
وإن شرط له الراهن الرجوع ، رجع ، قولا واحدا . وإن قضاه بإذنه من غير شرط الرجوع ، ففيه وجهان ، وهذا أصل يذكر في غير هذا الموضع . فإن فداه ، وشرط أن يكن رهنا بالفداء مع الدين الأول ، فقال : يجوز ذلك ; لأن المجني عليه يملك بيع العبد ، وإبطال الرهن ، فصار بمنزلة الرهن الجائز قبل قبضه ، والزيادة في دين الرهن قبل لزومه جائزة ، ولأن أرش الجناية متعلق به ، وإنما ينتقل من الجناية إلى الرهن . ويحتمل أن لا يصح ; لأن العبد رهن بدين ، فلا يجوز رهنه ثانيا بدين سواه ، كما لو رهنه بدين سوى هذا القاضي
وذهب إلى أن ضمان جناية الرهن على المرتهن ، فإن فداه لم يرجع بالفداء ، وإن فداه الراهن أو بيع في الجناية سقط دين الرهن ، إن كان بقدر الفداء . وبناء على أصله في أن الرهن من ضمان المرتهن . وهذا يأتي الكلام عليه ، إن شاء الله تعالى . وإذا لم يفد الجاني . فبيع في الجناية التي تستغرق قيمته ، بطل الرهن ، وإن لم تستغرقها ، بيع منه بقدر أرش الجناية ، وباقيه رهن ، إلا أن يتعذر بيع بعضه ، فيباع الكل ، ويجعل بقية الثمن رهنا أبو حنيفة
وقال : هل يباع منه بقدر الجناية ، أم يباع جميعه ، ويكون الفاضل من ثمنه عن أرش جنايته رهنا ؟ على وجهين . أبو الخطاب