الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3377 ) فصل وليس للراهن الانتفاع بالرهن ، باستخدام ، ولا وطء ، ولا سكنى ، ولا غير ذلك ولا يملك التصرف فيه ، بإجارة ، ولا إعارة ، ولا غيرهما ، بغير رضا المرتهن . وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي . وقال مالك وابن أبي ليلى والشافعي ، وابن المنذر : للراهن إجارته وإعارته مدة لا يتأخر انقضاؤها عن حلول الدين . وهل له أن يسكن بنفسه ؟ على اختلاف بينهم فيه . وإن كان الرهن عبدا ، فله استيفاء منافعه بغيره . وهل له ذلك بنفسه ؟ على الخلاف . وليس له إجارة الثوب ولا ما ينقص بالانتفاع . وبنوه على أن المنافع للراهن ، لا تدخل في الرهن ، ولا يتعلق بها حقه . وقد سبق الكلام في هذا . ولأنها عين محبوسة ، فلم يكن للمالك الانتفاع بها ، كالبيع المحبوس عند البائع على استيفاء ثمنه . أو نقول : نوع انتفاع ، فلا يملكه الراهن ، كالذي ينقص قيمة الرهن . إذا ثبت هذا فإن المتراهنين إذا لم يتفقا على الانتفاع بها ، لم يجز الانتفاع بها ، وكانت منافعها معطلة ، فإن كانت دارا أغلقت ، وإن كان عبدا أو غيره تعطلت منافعه حتى يفك الرهن . وإن اتفقا على إجارة الرهن ، أو إعارته ، جاز ذلك . هذا ظاهر كلام الخرقي لأنه جعل غلة الدار وخدمة العبد رهنا ، ولو عطلت منافعهما لم يكن لهما غلة . وقال ابن أبي موسى : إن أذن الراهن للمرتهن في إعارته ، أو إجارته ، جاز والأجرة رهن ، وإن أجره الراهن بإذن المرتهن ، خرج من الرهن ، في أحد الوجهين ، والآخر لا يخرج ، كما لو أجره المرتهن . وقال أبو الخطاب ، في المشاع : يؤجره الحاكم لهما . وذكر أبو بكر في الخلاف ، أن منافع الرهن تعطل مطلقا ، ولا يؤجراه . وهذا قول الثوري ، وأصحاب الرأي . وقالوا : إذا أجر الراهن الرهن بإذن المرتهن ، كان إخراجا من الرهن ; لأن الرهن يقتضي حبسه عند المرتهن أو نائبه على الدوام ، فمتى وجد عقد يستحق به زوال الحبس زال الرهن . ولنا ، أن مقصود الرهن الاستيثاق بالدين ، واستيفاؤه من ثمنه عند تعذر استيفائه من ذمة الراهن ، وهذا لا ينافي الانتفاع به ، ولا إجارته ، ولا إعارته ، فجاز اجتماعهما ، كانتفاع المرتهن به ، ولأن تعطيل منفعته تضييع للمال ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ، ولأنه عين تعلق بها حق الوثيقة ، فلم يمنع إجارتها ، كالعبد إذا ضمن بإذن سيده ، ولا نسلم أن مقتضى الرهن الحبس ، وإنما مقتضاه تعلق الحق به على وجه تحصل به الوثيقة ، وذلك غير مناف للانتفاع به ، ولو سلمنا أن مقتضاه الحبس ، فلا يمنع أن يكون المستأجر نائبا عنه في إمساكه وحبسه ، ومستوفيا لمنفعته لنفسه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية