( 3455 ) مسألة ; قال : ولا تباع داره التي لا غنى له عن سكناها . وجملته أن ، باع الحاكم ماله ، ويستحب أن يحضر المفلس البيع ، لمعان أربعة ; أحدها ، ليحصي ثمنه ، ويضبطه . الثاني ، أنه أعرف بثمن متاعه ، وجيده ورديئه ، فإذا حضر تكلم عليه ، وعرف الغبن من غيره . الثالث ، أن تكثر الرغبة فيه ، فإن شراءه من صاحبه أحب إلى المشتري المفلس إذا حجر عليه
الرابع ، أن ذلك أطيب لنفسه ، وأسكن لقلبه . ويستحب إحضار الغرماء أيضا ، لأمور أربعة ; أحدها ، أنه يباع لهم . الثاني ، أنهم ربما رغبوا في شراء شيء منه ، فزادوا في ثمنه ، فيكون أصلح لهم وللمفلس . الثالث ، أنه أطيب لقلوبهم ، وأبعد من التهمة . الرابع ، أنه ربما كان فيهم من يجد عين ماله ، فيأخذها
فإن لم يفعل ، وباعه من غير حضورهم كلهم ، جاز ; لأن ذلك موكول إليه ، ومفوض إلى اجتهاده ، وربما أداه اجتهاده إلى خلاف ذلك ، وبانت له المصلحة في المبادرة إلى البيع قبل إحضارهم . ويأمرهم الحاكم أن يقيموا مناديا ينادي لهم على المتاع ، فإن تراضوا برجل ثقة ، أمضاه الحاكم ، وإن اتفقوا على غير ثقة رده . فإن قيل : فلم يرده وأصحاب الحق قد اتفقوا عليه ، فأشبه ما لو اتفق الراهن والمرتهن على أن يبيع الرهن غير ثقة لم يكن للحاكم الاعتراض ؟ قلنا : لأن للحاكم هاهنا نظرا واجتهادا ; فإنه قد يظهر غريم آخر ، فيتعلق حقه به ، فلهذا نظر فيه ، بخلاف الرهن ، فإنه لا نظر للحاكم فيه
فإن [ ص: 287 ] ، أقر الحاكم الثقة منهما ، فإن كانا ثقتين ، قدم المتطوع منهما ; لأنه أوفر ، فإن كانا متطوعين ، ضم أحدهما إلى الآخر ، وإن كانا بجعل ، قدم أعرفهما وأوثقهما ، فإن تساويا قدم من يرى منهما . فإن وجد متطوعا بالنداء ، وإلا دفعت الأجرة من مال المفلس ; لأن البيع حق عليه ، لكونه طريق وفاء دينه اختار المفلس رجلا ، واختار الغرماء آخر
وقيل يدفع من بيت المال ; لأنه من المصالح ، وكذلك الحكم في أجر من يحفظ المتاع والثمن ، وأجر الحمالين ، ونحوهم . ويستحب ; البز في البزازين ، والكتب في سوقها ، ونحو ذلك ; لأنه أحوط وأكثر لطلابه ، ومعرفة قيمته . فإن باع في غير سوقه بثمن مثله ، جاز ; لأن الغرض تحصيل الثمن ، وربما أدى الاجتهاد إلى أن ذلك أصلح ، ولذلك لو قال : بع ثوبي في سوق كذا بكذا . فباعه بذلك في سوق آخر ، جاز بيع كل شيء في سوقه
; لأنه أوفر . فإن كان في البلد نقود باع بغالبها ، فإن تساوت باع بجنس الدين ، وإن زاد في السلعة زائد في مدة الخيار ، ألزم الأمين الفسخ ; لأنه أمكنه بيعه بثمن ، فلم يجز بيعه بدونه ، كما لو زيد فيه قبل العقد ويبيع بنقد البلد
وإن زاد بعد لزوم العقد ، استحب للأمين سؤال المشتري الإقالة ، واستحب للمشتري الإجابة إلى ذلك ; لتعليقه بمصلحة المفلس ، وقضاء دينه ، فيبدأ ببيع العبد الجاني ، فيدفع إلى المجني عليه أقل الأمرين من ثمنه أو أرش جنايته ، وما فضل منه رده إلى الغرماء ، ثم يبيع الرهن ، فيدفع إلى المرتهن قدر دينه ، وما فضل من ثمنه رده إلى الغرماء ، وإن بقيت من دينه بقية ، ضرب بها مع الغرماء ، ثم يبيع ما يسرع إليه الفساد من الطعام الرطب ; لأن بقاءه يتلفه بيقين ، ثم يبيع الحيوان ، لأنه معرض للتلف ، ويحتاج إلى مؤنة في بقائه ، ثم يبيع السلع والأثاث ، لأنه يخاف عليه ، وتناله الأيدي ، ثم العقار آخرا ; لأنه لا يخاف تلفه ، وبقاؤه أشهر له وأكثر لطلابه
ومتى باع شيئا من ماله ، وكان الدين لواحد وحده ، دفعه إليه ; لأنه لا حاجة إلى تأخيره ، وإن كان له غرماء ، فأمكن قسمته عليهم ، قسم ولم يؤخر ، وإن لم يمكن قسمته ، أودع عند ثقة ، إلى أن يجتمع ، ويمكن قسمته فيقسم . وإن احتاج في حفظه إلى غرامة ، دفع ذلك إلى من يحفظه . إذا ثبت هذا عدنا إلى مسألة الكتاب ، فنقول : لا تباع داره التي لا غنى له عن سكناها
وبهذا قال أبو حنيفة وإسحاق . وقال شريح ومالك : تباع ، ويكتري له بدلها . واختاره والشافعي ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي أصيب في ثمار ابتاعها ، فكثر دينه ، فقال لغرمائه { ابن المنذر } خذوا ما وجدتم
. وهذا مما وجدوه ، ولأنه عين مال المفلس فوجب صرفه في دينه ، كسائر ماله
ولنا ، أن هذا مما لا غنى للمفلس عنه ، فلم يصرف في دينه ، كثيابه وقوته ، والحديث قضية في عين ، ويحتمل أنه لم يكن له عقار ، ولا خادم ، ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( خذوا ما وجدتم ) مما تصدق به عليه ، فإن المذكور قبل ذلك ، كذلك روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { } : تصدقوا عليه . فتصدقوا عليه ، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذوا ما وجدتم .
أي مما تصدق به عليه ، والظاهر أنه لم يتصدق عليه بدار وهو محتاج إلى سكناها ولا خادم وهو محتاج إلى خدمته ، ولأن الحديث مخصوص بثياب المفلس وقوته ، فنقيس عليه محل النزاع ، وقياسهم منتقض بذلك أيضا ، وبأجر المسكن ، وسائر ماله يستغنى عنه ، بخلاف مسألتنا .