( 4569 ) فصل : لم يخل من ثلاثة أقسام : أحدها أن يكون ممن يقر في يديه ، كالمسلم العدل الحر ، والآخر ممن لا يقر في يديه ، كالكافر إذا كان اللقيط مسلما ، والفاسق ، والعبد إذا لم يأذن له سيده ، والمكاتب ، فإنه يسلم إلى من يقر في يده ، وتكون مشاركة هؤلاء له كعدمها ; لأنه لو التقطه [ ص: 42 ] وحده لم يقر في يده ، فإذا شاركه من هو من أهل الالتقاط أولى . وإن التقطه اثنان ، وتناولاه تناولا واحدا ،
الثاني ، أن يكونا جميعا ممن لا يقر في يدي واحد منهما ، فإنه ينزع منهما ، ويسلم إلى غيرهما .
الثالث أن يكون كل واحد منهما ممن يقر في يده لو انفرد ، إلا أن أحدهما أحظ للقيط من الآخر ، مثل أن يكون أحدهما موسرا والآخر معسرا ، فالموسر أحق ; لأن ذلك أحظ للطفل ، وإن التقط مسلم وكافر طفلا محكوما بكفره ، فالمسلم أحق . وقال أصحابنا ، وأصحاب : هما سواء ; لأن للكافر ولاية على الكافر ، ويقر في يده إذا انفرد بالتقاطه ، فساوى المسلم في ذلك الشافعي
ولنا أن دفعه إلى المسلم أحظ له ; لأنه يصير مسلما ، فيسعد في الدنيا والآخرة ، وينجو من النار ، ويتخلص من الجزية والصغار ، فالترجيح بهذا أولى من الترجيح باليسار الذي إنما يتعلق به توسعة عليه في الإنفاق ، وقد يكون الموسر بخيلا ، فلا تحصل التوسعة . فإن تعارض الترجيحان ، فكان المسلم فقيرا والكافر موسرا ، فالمسلم أولى ; لأن النفع الحاصل له بإسلامه أعظم من النفع الحاصل بيساره مع كفره . وعلى قياس قولهم في تقديم الموسر ، ينبغي أن يقدم الجواد على البخيل ; لأن حظ الطفل عنده أكثر من الجهة التي يحصل له الحظ فيها باليسار ، وربما تخلق بأخلاقه ، وتعلم من جوده .
الرابع أن يتساويا في كونهما مسلمين عدلين حرين مقيمين ، فهما سواء فيه ، فإن رضي أحدهما بإسقاط حقه ، وتسليمه إلى صاحبه جاز ; لأن الحق له ، فلا يمنع من الإيثار به . وإن تشاحا ، أقرع بينهما ; لقول الله تعالى : { وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم } . ولأنه لا يمكن كونه عندهما ; لأنه لا يمكن أن يكون عندهما في حالة واحدة . وإن تهايآه ، فجعل عند كل واحد يوما أو أكثر من ذلك ، أضر بالطفل ; لأنه تختلف عليه الأغذية والأنس والإلف .
ولا يمكن دفعه إلى أحدهما دون الآخر بغير قرعة ; لأن حقهما متساو ، فتعيين أحدهما بالتحكم لا يجوز ، فتعين الإقراع بينهما ، كما يقرع بين الشركاء في تعيين السهام في القسمة ، وبين النساء في البداية بالقسمة ، وبين العبيد في الإعتاق . والرجل والمرأة سواء ، ولا ترجح المرأة ها هنا ، كما ترجح في حضانة ولدها على أبيه ; لأنها رجحت ثم لشفقتها على ولدها ، وتوليها لحضانته بنفسها ، والأب يحضنه بأجنبية ، فكانت أمه أحظ له وأرفق به ، أما ها هنا ، فإنها أجنبية من اللقيط ، والرجل يحضنه بأجنبية فاستويا . ومذهب في هذا الفصل جميعه على ما ذكرناه الشافعي
فإن كان أحدهما مستور الحال ، والآخر ظاهر العدالة ، احتمل أن يرجح العدل ; لأن المانع من الالتقاط منتف في حقه بغير شك ، والأمر مشكوك فيه ، فيكون الحظ للطفل في تسليمه إليه أتم . ويحتمل أن يتساويا ; لأن احتمال وجود المانع لا يؤثر في المنع ، فلا يؤثر الترجيح .