( 4621 ) مسألة : قال : ( فإن مات قبل أن يقبل أو يرد ، قام وارثه في ذلك مقامه ، إذا كان موته بعد موت الموصي ) اختلف أصحابنا فيما فذهب إذا مات الموصى له قبل القبول والرد ، بعد موت الموصي ، إلى أن وارثه يقوم مقامه في القبول والرد ; لأنه حق ثبت للموروث فثبت للوارث بعد موته ، لقوله عليه السلام { الخرقي } . وكخيار الرد بالعيب ، وذهب : من ترك حقا فلورثته أبو عبد الله بن حامد إلى أن الوصية تبطل ; لأنه عقد يفتقر إلى القبول ، فإذا مات من له القبول قبله ، بطل العقد ، كالهبة . قال : هو قياس المذهب ; لأنه خيار لا يعتاض عنه ، فبطل بالموت ، كخيار المجلس والشرط وخيار الأخذ بالشفعة . وقال أصحاب الرأي : تلزم الوصية في حق الوارث ، وتدخل في ملكه حكما بغير قبول ; لأن الوصية قد لزمت من جهة الموصي ، وإنما الخيار للموصى له ، فإذا مات ، بطل خياره ، ودخل في ملكه ، كما لو اشترى شيئا على أن الخيار له ، فمات قبل انقضائه . ولنا ، على أن الوصية لا تبطل بموت الموصى له ، أنها عقد لازم من أحد الطرفين ، فلم تبطل بموت من له الخيار ، كعقد الرهن والبيع إذا شرط فيه الخيار لأحدهما ، ولأنه عقد لا يبطل بموت الموجب له ، فلا يبطل بموت الآخر ، كالذي ذكرنا . ويفارق الهبة والبيع قبل القبول ، من الوجهين اللذين ذكرناهما ، وهو أنه جائز من الطرفين ، ويبطل بموت الموجب له ، ولا يصح قياسه على الخيارات ; لأنه لم يبطل الخيار ، ويلزم العقد ، فنظيره في مسألتنا قول أصحاب الرأي . ولنا ، على إبطال قولهم أنه عقد يفتقر إلى قبول المتملك ، فلم يلزم قبل القبول ، كالبيع والهبة . إذا ثبت هذا ، فإن الوارث يقوم مقام الموصى له في القبول والرد ; لأن كل حق مات عنه المستحق فلم يبطل بالموت ، قام الوارث فيه مقامه . فعلى هذا ، إن رد الوارث الوصية بطلت ، وإن قبلها صحت ، وثبت الملك بها . وإن كان الوارث جماعة ، اعتبر القبول أو الرد من جميعهم ، فإن رد بعضهم وقبل بعض ، ثبت للقابل حصته ، وبطلت الوصية في حق من رد . فإن كان فيهم من ليس من أهل التصرف ، قام وليه مقامه في القبول والرد ، وليس له أن يفعل إلا ما للمولى عليه الحظ فيه ، فإن فعل غيره لم يصح ، فإذا كان الحظ في قبولها فردها ، لم يصح رده ، وكان له [ ص: 70 ] قبولها بعد ذلك . وإن كان الحظ في ردها فقبلها ، لم يصح قبوله ; لأن الولي لا يملك التصرف في حق المولى عليه بغير ما له الحظ فيه . فلو أوصى لصبي بذي رحم له يعتق بملكه له ، وكان على الصبي ضرر في ذلك ، بأن تلزمه نفقة الموصى به ، لكونه فقيرا لا كسب له ، والمولى عليه موسر ، لم يكن له قبول الوصية ، وإن لم يكن عليه ضرر لكون الموصى به ذا كسب ، أو كون المولى عليه فقيرا لا تلزمه نفقته ، تعين قبول الوصية ; لأن في ذلك نفعا للمولى عليه ، لعتق قرابته ، وتحريره ، من غير ضرر يعود عليه ، فتعين ذلك . والله أعلم . القاضي