( 4622 ) فصل ، في قول جمهور الفقهاء ، إذا كانت لمعين يمكن القبول منه ; لأنها تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعين ، فاعتبر قبوله ، كالهبة والبيع . قال : ولا يملك الموصى له الوصية إلا بالقبول : الهبة والوصية واحد ، فأما إن كانت لغير معين ، كالفقراء والمساكين ومن لا يمكن حصرهم أحمد ، كبني هاشم وتميم ، أو على مصلحة كمسجد أو حج ، لم يفتقر إلى قبول ، ولزمت بمجرد الموت ; لأن اعتبار القبول من جميعهم متعذر ، فيسقط اعتباره ، كالوقف عليهم ، ولا يتعين واحد منهم فيكتفى بقبوله ، ولذلك لو كان فيهم ذو رحم من الموصى به ، مثل أن يوصي بعبد للفقراء وأبوه فقير ، لم يعتق عليه . ولأن الملك لا يثبت للموصى لهم ، بدليل ما ذكرنا من المسألة ، وإنما ثبت لكل واحد منهم بالقبض ، فيقوم قبضه مقام قبوله . أما الآدمي المعين ، فيثبت له الملك ، فيعتبر قبوله ، لكن لا يتعين القبول باللفظ ، بل يجزئ ما قام مقامه من الأخذ والفعل الدال على الرضى ، كقولنا في الهبة والبيع . ويجوز القبول على الفور والتراخي . ولا يكون إلا بعد موت الموصي ; لأنه قبل ذلك لم يثبت له حق ، ولذلك لم يصح رده . فإذا قبل ، ثبت الملك له من حين القبول ، في الصحيح من المذهب . وهو قول ، وأهل مالك العراق . وروي عن . وذكر الشافعي في المسألة وجها آخر ، أنه إذا قبل ، تبينا أن الملك ثبت حين موت الموصي . وهو ظاهر مذهب أبو الخطاب ; لأن ما وجب انتقاله بالقبول ، وجب انتقاله من جهة الموجب عند الإيجاب ، كالهبة والبيع ، ولأنه لا يجوز أن يثبت الملك فيه للوارث ; لأن الله تعالى قال { الشافعي : من بعد وصية يوصي بها أو دين } . ( 1 ) ولأن الإرث بعد الوصية ، ولا يبقى للميت ; لأنه صار جمادا لا يملك شيئا . قول ثالث غير مشهور ، أن الوصية تملك بالموت ، ويحكم بذلك قبل القبول ; لما ذكرنا . ولنا ، أنه تملك عين لمعين يفتقر إلى القبول ، فلم يسبق الملك القبول ، كسائر العقود ، ولأن القبول من تمام السبب ، والحكم لا يتقدم سببه ، ولأن القبول لا يخلو من أن يكون شرطا أو جزءا من السبب ، والحكم لا يتقدم سببه ولا شرطه ، ولأن الملك في الماضي لا يجوز تعليقه بشرط مستقبل . فإن قيل : فلو وللشافعي ، تبينا وقوع الطلاق قبل موته بشهر . قلنا : ليس هذا شرطا في وقوع الطلاق ، وإنما تبين به الوقت الذي يقع فيه الطلاق . ولو قال إذا مت فأنت طالق قبله بشهر . لم يصح . وأما انتقاله [ ص: 71 ] من جهة الموجب في سائر العقود ، فإنه لا ينتقل إلا بعد القبول ، فهو كمسألتنا ، غير أن ما بين الإيجاب والقبول ثم يسير ، لا يظهر له أثر ، بخلاف مسألتنا . قولهم : إن الملك لا يثبت للوارث . ممنوع ; فإن الملك ينتقل إلى الوراث بحكم الأصل ، إلا أن يمنع منه مانع . وقول الله تعالى { قال لامرأته : أنت طالق قبل موتي بشهر . ثم مات : من بعد وصية يوصي بها أو دين } . قلنا : المراد به وصية مقبولة ، بدليل أنه لو لم يقبل لكان ملكا للوارث ، وقبل قبولها فليست مقبولة . ويحتمل أن يكون المراد بقوله { : فلكم الربع مما تركن من بعد وصية } . أي لكم ذلك مستقر . فلا يمنع هذا ثبوت الملك غير مستقر ، ولهذا لا يمنع الدين ثبوت الملك في التركة ، وهو آكد من الوصية .
وإن سلمنا أن الملك لا يثبت للوارث ، فإنه يبقى ملكا للميت ، كما إذا كان عليه دين . وقولهم : لا يبقى له ملك . ممنوع ; فإنه يبقى ملكه فيما يحتاج إليه من مؤنة تجهيزه ودفنه ، وقضاء ديونه . ويجوز أن يتجدد له ملك في دينه إذا قبل ، وفيما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته ، بحيث تقضى ديونه ، وتنفذ وصاياه ، ويجهز إن كان قبل تجهيزه ، فهذا يبقى على ملكه ، لتعذر انتقاله إلى الوارث من أجل الوصية ، وامتناع انتقاله إلى الوصي قبل تمام السبب ، فإن رد الموصى له ، أو قبل ، انتقل حينئذ . فإن قلنا بالأول ، وأنه ينتقل إلى الوارث فإنه يثبت له الملك على وجه لا يفيد إباحة التصرف ، كثبوته في العين المرهونة ، فلو باع الموصى به ، أو رهنه ، أو أعتقه ، أو تصرف بغير ذلك ، لم ينفذ شيء من تصرفاته . ولو كان الوارث ابنا للموصى به ، مثل أن تملك امرأة زوجها الذي لها منه ابن ، فتوصي به لأجنبي ، فإذا ماتت انتقل الملك فيه إلى ابنه إلى حين القبول ، ولا يعتق عليه . والله أعلم .