( 4773 ) فصل : في من تصح الوصية إليه ، ومن لا تصح ، إجماعا . ولا تصح إلى مجنون ، ولا طفل ، ولا وصية مسلم إلى كافر . بغير خلاف نعلمه ; لأن المجنون والطفل ليسا من أهل التصرف في أموالهما ، فلا يليان على غيرهما ، والكافر ليس من أهل الولاية على مسلم . وتصح تصح الوصية إلى الرجل العاقل المسلم الحر العدل في قول أكثر أهل العلم . وروي ذلك عن الوصية إلى المرأة . وبه قال شريح ، مالك ، والثوري والأوزاعي ، ، والحسن بن صالح وإسحاق ، ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . ولم يجزه وأبو ثور ; لأنها لا تكون قاضية ، فلا تكون وصية ، كالمجنون . ولنا ، ما روي أن عطاء رضي الله عنه أوصى إلى عمر حفصة . ولأنها من أهل الشهادة ، فأشبهت الرجل ، وتخالف القضاء ، فإنه يعتبر له الكمال في الخلقة والاجتهاد ، بخلاف الوصية . وتصح . وقال أصحاب الوصية إلى الأعمى فيه وجه أنه لا تصح الوصية إليه ، بناء منهم على أنه لا يصح بيعه ولا شراؤه ، فلا يوجد فيه معنى الولاية . وهذا لا يسلم لهم ، مع أنه يمكنه التوكيل في ذلك ، وهو من أهل الشهادة والولاية في النكاح ، والولاية على أولاده الصغار ، فصحت الوصية إليه كالبصير . وأما الصبي العاقل ، فلا أعلم فيه نصا عن الشافعي ، فيحتمل أنه لا تصح الوصية إليه ; لأنه ليس من أهل الشهادة والإقرار ، ولا يصح تصرفه إلا بإذن ، فلم يكن من أهل الولاية بطريق الأولى . ولأنه مولى عليه ، فلا يكون واليا ، كالطفل والمجنون . وهذا مذهب أحمد . وهو الصحيح إن شاء الله . وقال الشافعي : قياس المذهب صحة الوصية إليه ; لأن القاضي قد نص على صحة وكالته . وعلى هذا يعتبر أن يكون قد جاوز العشر . وأما الكافر ، فلا تصح وصية مسلم إليه ; لأنه [ ص: 144 ] لا يلي على مسلم ، ولأنه ليس من أهل الشهادة ولا العدالة ، فلم تصح الوصية إليه ، كالمجنون والفاسق . وأما وصية الكافر إليه ، فإن لم يكن عدلا في دينه ، لم تصح الوصية إليه ; لأن عدم العدالة في المسلم يمنع صحة الوصية إليه . فمع الكفر أولى . وإن كان عدلا في دينه ، ففيه وجهان ; أحدهما تصح الوصية إليه . وهو قول أصحاب الرأي ; لأنه يلي بالنسب ، فيلي الوصية ، كالمسلم . والثاني ، لا تصح . وهو قول أحمد ; لأنه فاسق ، فلم تصح الوصية إليه ، كفاسق المسلمين . ولأصحاب أبي ثور وجهان كهذين . وأما وصية الكافر إلى المسلم ، فتصح إلا أن تكون تركته خمرا أو خنزيرا . وأما العبد ، فقال الشافعي أبو عبد الله بن حامد : تصح الوصية إليه ، سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره . وبه قال . وقال مالك ، النخعي والأوزاعي ، : تصح وابن شبرمة ، ولا تصح إلى عبد غيره . وقال الوصية إلى عبد نفسه : تصح إلى عبد نفسه إذا لم يكن في ورثته رشيد . وقال أبو حنيفة ، أبو يوسف ، ومحمد : لا تصح الوصية إلى عبد بحال ; لأنه لا يكون وليا على ابنه بالنسب ، فلا يجوز أن يلي الوصية ، كالمجنون . ولنا أنه يصح استنابته في الحياة ، فصح أن يوصى إليه كالحر . وقياسهم يبطل بالمرأة . والخلاف في المكاتب والمدبر والمعتق بعضه كالخلاف في العبد القن . وقد نص والشافعي على أن الوصية إلى أم ولده جائزة . نص عليه الخرقي أيضا ; لأنها تكون حرة عند نفوذ الوصية من أصل المال . وأما الفاسق ، فقد روي عن أحمد ما يدل على أن الوصية إليه لا تصح . وهو قول أحمد ، مالك . وعن والشافعي ما يدل على صحة الوصية إليه ، فإنه قال ، في رواية أحمد ابن منصور : إذا كان متهما ، لم تخرج من يده . وقال : إذا كان الوصي خائنا ضم إليه أمين . وهذا يدل على صحة الوصية إليه ، ويضم الحاكم إليه أمينا . وقال الخرقي : تصح الوصية إليه ، وينفذ تصرفه ، وعلى الحاكم عزله ; لأنه بالغ عاقل ، فصحت الوصية إليه ، كالعدل ، ووجه الأولى أنه لا يجوز إفراده بالوصية ، فلم تجز الوصية إليه ، كالمجنون . وعلى أبو حنيفة ، لا يجوز إقراره على الوصية ، فأشبه ما ذكرنا . أبي حنيفة
( 4774 ) فصل : ويعتبر وجود هذه الشروط في الوصي حال العقد والموت ، في أحد الوجهين ، وفي الآخر يعتبر حال الموت حسب ، كالوصية له . وهو قول بعض أصحاب . ولنا ، أنها شروط لعقد ، فتعتبر حال وجوده ، كسائر العقود . فأما الوصية له ، فهي صحيحة وإن كان وارثا ، وإنما يعتبر عدم الإرث ، وخروجها من الثلث للنفوذ واللزوم ، فاعتبرت حالة اللزوم ، بخلاف مسألتنا ، فإنها شروط لصحة العقد ، فاعتبرت حالة العقد ، ولا ينفع وجودها بعده . وعلى الوجه الثاني ، لو كانت الشروط كلها منتفية ، أو بعضها حال العقد ، ثم وجدت حالة الموت لصحت الوصية إليه . الشافعي