( 4915 ) مسألة ; قال : ( وابن الملاعنة ترثه أمه وعصبتها ، فإن خلف أما وخالا فلأمه الثلث ، وما بقي فللخال ) وجملته ، أن الرجل إذا لاعن امرأته ، ونفى ولدها ، وفرق الحاكم بينهما ;  انتفى ولدها عنه ، وانقطع تعصيبه من جهة الملاعن ، فلم يرثه هو ولا أحد من عصباته ، وترث أمه وذوو الفروض منه فروضهم ، وينقطع التوارث بين الزوجين ، لا نعلم بين أهل العلم في هذه الجملة خلافا 
وأما إن مات أحدهم قبل تمام اللعان من الزوجين ، ورثه الآخران في قول الجمهور . وقال  الشافعي  رضي الله عنه : إذا أكمل الزوج لعانه لم يتوارثا . وقال  مالك    : إن مات الزوج بعد لعانه  ، فإن لاعنت المرأة لم ترث ، ولم تحد ، وإن لم تلاعن ، ورثت ، وحدت . وإن ماتت هي بعد لعان الزوج ، ورثها في قول جميعهم ، إلا  الشافعي  رضي الله عنه . وإن تم اللعان بينهما ، فمات أحدهما قبل تفريق الحاكم بينهما  
ففيه روايتان ; إحداهما ، لا يتوارثان ، وهو قول  مالك  ،  وزفر  ، وروي نحو ذلك عن الزهري  ،  وربيعة  ، والأوزاعي  ،  وداود    ; لأن اللعان يقتضي التحريم المؤبد ، فلم يعتبر في حصول الفرقة به التفريق بينهما ، كالرضاع . والرواية الثانية ، يتوارثان ما لم يفرق الحاكم بينهما . وهو قول  أبي حنيفة  ، وصاحبيه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين ، ولو حصل التفريق باللعان لم يحتج إلى تفريقه . وإن فرق الحاكم بينهما قبل تمام اللعان ، لم تقع الفرقة ، ولم  [ ص: 225 ] ينقطع التوارث في قول الجمهور 
وقال  أبو حنيفة  وصاحباه : إن فرق بينهما بعد أن تلاعنا ثلاثا ، وقعت الفرقة ، وانقطع التوارث ; لأنه وجد منهما معظم اللعان ، وإن فرق بينهما قبل ذلك ، لم تقع الفرقة ، ولم ينقطع التوارث . ولنا ، أنه تفريق قبل تمام اللعان ، فأشبه التفريق قبل الثلاث . وهذا الخلاف في توارث الزوجين . فأما الولد ، فالصحيح أنه ينتفي عن الملاعن إذا تم اللعان بينهما من غير اعتبار تفريق الحاكم . 
لأن انتفاءه بنفيه ، لا بقول الحاكم : فرقت بينكما ، فإن لم يذكره في اللعان لم ينتف عن الملاعن ، ولم ينقطع التوارث بينهما . وقال أبو بكر    : ينتفي بزوال الفراش ، وإن لم يذكره ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الولد عن الملاعن ، وألحقه بأمه ، ولم يذكره الرجل في لعانه . ويحقق ذلك أن الولد كان حملا في البطن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { أنظروها ، فإن جاءت به أحيمر ، كأنه وحرة ، حمش الساقين ، فلا أراه إلا قد كذب عليها ، وإن جاءت به جعدا ، جماليا ، خدلج الساقين ، سابغ الأليتين ، فهو للذي رميت به   } فأتت به على النعت المكروه 
إذا ثبت هذا ، عدنا إلى مسألة الكتاب ، فنقول : اختلف أهل العلم في ميراث الولد المنفي باللعان ،  فروي عن  أحمد  فيه روايتان ; إحداهما ، أن عصبته عصبة أمه . نقلها  الأثرم  ،  وحنبل    . يروى ذلك عن  علي  ،  وابن عباس  ،  وابن عمر    . وبه قال الحسن  ،  وابن سيرين  ،  وجابر بن زيد  ،  وعطاء  ، والشعبي  ،  والنخعي  ، والحكم  ، وحماد  ،  والثوري  ،  والحسن بن صالح  ، إلا أن  عليا  يجعل ذا السهم من ذوي الأرحام أحق ممن لا سهم له ، وقدم الرد على غيره 
والرواية الثانية ، أن أمه عصبته ، فإن لم تكن فعصبتها عصبته . نقله أبو الحارث  ، ومهنا    . وهذا قول  ابن مسعود    . وروي نحوه عن  علي  ،  ومكحول  ، والشعبي    ; لما روي عن  عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم { جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها   } ورواه أيضا مكحول  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا . وروى  واثلة بن الأسقع  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { تحوز المرأة ثلاثة مواريث ; عتيقها ، ولقيطها ، وولدها الذي لاعنت عليه   } . وعن عبيد الله بن عبيد بن عمير  ، وقال : { كتبت إلى صديق لي من أهل المدينة  من بني زريق  أسأله عن ولد الملاعنة ، لمن قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إلي ; إني سألت فأخبرت أنه قضى به لأمه ، هي بمنزلة أبيه وأمه .   } رواهن أبو داود    . 
ولأنها قامت مقام أبيه وأمه في انتسابه إليها ، فقامت مقامهما في حيازة ميراثه ، ولأن عصبات الأم أدلوا بها ، فلم يرثوا معها ، كأقارب الأب معه . وكان  زيد بن ثابت  يورث من ابن الملاعنة ، كما يورث من غير ابن الملاعنة ، ولا يجعلها عصبة ابنها ، ولا عصبتها عصبته . فإن كانت أمه مولاة لقوم جعل الباقي من ميراثها لمولاها ، فإن لم تكن مولاة جعله لبيت المال 
وعن  ابن عباس  نحوه ، وبه قال  سعيد بن المسيب  ،  وعروة  ،  وسليمان بن يسار  ،  وعمر بن عبد العزيز  ، والزهري  ،  وربيعة  ،  وأبو الزناد  ،  ومالك  ، وأهل المدينة  ،  والشافعي  ،  وأبو حنيفة  ، وصاحباه ، وأهل البصرة  ، إلا أن  أبا حنيفة  وأهل البصرة  جعلوا الرد ، وذوي الأرحام ، أحق من بيت المال ; لأن الميراث إنما ثبت بالنص ، ولا نص في توريث الأم أكثر من الثلث ، ولا في توريث الأخ من الأم أكثر من السدس ، ولا في توريث أبي الأم وأشباهه من عصبات الأم ، ولا قياس أيضا ، فلا وجه لإثباته 
 [ ص: 226 ] ووجه قول  الخرقي  قول النبي صلى الله عليه وسلم : { ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر   } . وأولى الرجال به أقارب أمه . وعن  عمر  ، رضي الله عنه أنه ألحق ولد الملاعنة بعصبة أمه . وعن  علي  رضي الله عنه أنه لما رجم المرأة دعا أولياءها فقال : هذا ابنكم ترثونه ولا يرثكم ، وإن جنى جناية فعليكم حكاه الإمام  أحمد  عنه . 
ولأن الأم لو كانت عصبة كأبيه لحجبت إخوته . ولأن مولاها مولى أولادها ، فيجب أن تكون عصبتها عصبته ، كالأب . فإذا خلف ابن الملاعنة أما ، وخالا ، فلأمه الثلث بلا خلاف ، والباقي لخاله ; لأنه عصبة أمه . وعلى الرواية الأخرى ، هو لها كله . وهذا قول  علي  ،  وابن مسعود  ،  وأبي حنيفة  ، وموافقيه ، إلا أن  ابن مسعود  يعطيها إياه ; لكونها عصبة ; والباقون بالرد ، وعند  زيد  ، الباقي لبيت المال 
فإن كان معهما مولى أم ، فلا شيء له عندنا . وقال  زيد  ، ومن وافقه ،  وأبو حنيفة    : الباقي له . وإن لم يكن لأمه عصبة إلا مولاها ، فالباقي له على الرواية التي اختارها  الخرقي  ، وعلى الأخرى ، هو للأم ، وهو قول  ابن مسعود    ; لأنها عصبة ابنها . فإن لم يخلف إلا أمه ، فلها الثلث بالفرض ، والباقي بالرد ، وهو قول  علي  وسائر من يرى الرد . وفي الرواية الأخرى ، لها الباقي بالتعصيب 
وإن كان مع الأم عصبة لها ، فهل يكون الباقي لها أو له ؟ على روايتين . وإن كان لها عصبات ، فهو لأقربهم منها على رواية  الخرقي  ، فإذا كان معها أبوها ، وأخوها ، فهو لأبيها ، وإن كان مكان أبيها جدها فهو بين أخيها وجدها نصفين ، وإن كان معهم ابنها ، وهو أخوه لأمه ، فلا شيء لأخيها ، ويكون لأمه الثلث ، ولأخيه السدس ، والباقي لأخيه ، أو ابن أخيه . وإن خلف أمه ، وأخاه ، وأخته ، فلكل واحد منهم السدس ، والباقي لأخيه ، دون أخته . وإن خلف ابن أخته ، وبنت أخته ، أو خاله وخالته ، فالباقي للذكر 
وإن خلف أخته وابن أخته ، فلأخته السدس ، والباقي لابن أخته ، وعلى الرواية الأخرى ، الباقي للأم في هذه المواضع . 
				
						
						
