( 6198 ) المسألة الثالثة : ; لأن المقصود تمليك العبد منافعه ، ويمكنه من التصرف لنفسه ، ولا يحصل هذا مع ما يضر بالعمل ضررا بينا ، فلا يجزئ الأعمى ; لأنه لا يمكنه العمل في أكثر الصنائع ، ولا المقعد ، ولا المقطوع اليدين أو الرجلين ; لأن اليدين آلة البطش ، فلا يمكنه العمل مع فقدهما ، والرجلان آلة المشي ، فلا يتهيأ له كثير من العمل مع تلفهما . والشلل كالقطع في هذا . ولا يجزئ المجنون جنونا مطبقا ، لأنه وجد فيه المعنيان ، ذهاب منفعة الجنس ، وحصول الضرر بالعمل . وبهذا كله قال أنه لا يجزئه إلا رقبة سالمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا ، مالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . وأبو ثور
وحكي عن ، أنه جوز عتق كل رقبة يقع عليها الاسم ، أخذا بإطلاق اللفظ . ولنا أن هذا نوع كفارة ، فلم يجزئ ما يقع عليه الاسم كالإطعام ; فإنه لا يجزئ أن يطعم مسوسا ولا عفنا ، وإن كان يسمى طعاما . والآية مقيدة بما ذكرناه . ( 6199 ) فصل : ولا يجزئ مقطوع اليد ، أو الرجل ، ولا أشلها ، ولا مقطوع إبهام اليد ، أو سبابتها ، أو الوسطى ; لأن نفع اليد يذهب بذهاب هؤلاء ، ولا يجزئ مقطوع الخنصر والبنصر من يد واحدة ; لأن نفع اليدين يزول أكثره بذلك . وإن قطعت كل واحدة من يد جاز ; لأن نفع الكفين باق ، وقطع أنملة الإبهام كقطع جميعها ; فإن نفعها يذهب بذلك ; لكونها أنملتين ، وإن كان من غير الإبهام لم يمنع ; لأن منفعتها لا تذهب ; فإنها تصير كالأصابع القصار ، حتى لو كانت أصابعه كلها غير الإبهام قد قطعت من كل واحدة منها أنملة ، لم يمنع . وإن قطع من الإصبع أنملتان ، فهو كقطعها ; لأنه يذهب بمنفعتها . داود
وهذا جميعه مذهب . وقال الشافعي : يجزئ مقطوع إحدى اليدين أو إحدى الرجلين ، ولو قطعت يده ورجله جميعا من خلاف أجزأت ; لأن منفعة الجنس باقية ، فأجزأت في الكفارة ، كالأعور ، فأما إن قطعتا من وفاق ، أي من جانب واحد ، لم يجزئ ; لأن منفعة الشيء تذهب . [ ص: 19 ] ولنا أن هذا يؤثر في العمل ، ويضر ضررا بينا ، فوجب أن يمنع إجزاءها ، كما لو قطعتا من وفاق ويخالف العور ; فإنه لا يضر ضررا بينا . والاعتبار بالضرر أولى من الاعتبار بمنفعة الجنس ; فإنه لو ذهب شمه ، أو قطعت أذناه معا ، أجزأ مع ذهاب منفعة الجنس ، ولا يجزئ الأعرج إذا كان عرجا كثيرا فاحشا ; لأنه يضر بالعمل ، فهو كقطع الرجل . وإن كان عرجا يسيرا ، لم يمنع الإجزاء ; لأنه قليل الضرر . أبو حنيفة
( 6200 ) فصل : ويجزئ الأعور في قولهم جميعا . وقال أبو بكر : فيه قول آخر ، لا يجزئ ; لأنه نقص يمنع التضحية والإجزاء في الهدي ، فأشبه العمى . والصحيح ما ذكرناه ; فإن المقصود تكميل الأحكام ، وتمليك العبد المنافع ، والعور لا يمنع ذلك ، ولأنه لا يضر بالعمل ، فأشبه قطع إحدى الأذنين . ويفارق العمى ; فإنه يضر بالعمل ضررا بينا ، ويمنع كثيرا من الصنائع ، ويذهب بمنفعة الجنس . ويفارق قطع إحدى اليدين والرجلين ; فإنه لا يعمل بإحداهما ما يعمل بهما ، والأعور يدرك بإحدى العينين ما يدرك بهما . وأما الأضحية والهدي ، فإنه لا يمنع منهما مجرد العور ، وإنما يمنع انخساف العين ، وذهاب العضو المستطاب ، ولأن الأضحية يمنع فيها قطع الأذن والقرن ، والعتق لا يمنع فيه إلا ما يضر بالعمل .
ويجزئ المقطوع الأذنين . وبذلك قال ، أبو حنيفة . وقال والشافعي ، مالك : لا يجزئ . لأنهما عضوان فيهما الدية ، أشبها اليدين . ولنا ، أن قطعهما لا يضر بالعمل الضرر البين ، فلم يمنع ، كنقص السمع ، بخلاف قطع اليدين . ويجزئ مقطوع الأنف كذلك . ويجزئ الأصم إذا فهم بالإشارة . ويجزئ الأخرس إذا فهمت إشارته وفهم بالإشارة . وهذا مذهب وزفر ، الشافعي . وقال أصحاب الرأي : لا يجزئ ; لأن منفعة الجنس ذاهبة ، فأشبه زائل العقل . وهذا المنصوص عليه عن وأبي ثور ; لأن الخرس نقص كثير ، يمنع كثيرا من الأحكام ، مثل القضاء ، والشهادة ، وأكثر الناس لا يفهم إشارته ، فيتضرر في ترك استعماله . أحمد
وإن اجتمع الخرس والصمم ، فقال : لا يجزئ . وهو قول بعض الشافعية ; لاجتماع النقصين فيه ، وذهاب منفعتي الجنس . ووجه الإجزاء ، أن الإشارة تقوم مقام الكلام في الإفهام ، ويثبت في حقه أكثر الأحكام فيجزئ في العتق ، كالذي ذهب شمه . فأما الذي ذهب شمه فيجزئ ; لأنه لا يضر بالعمل ولا بغيره فأما المريض ، فإن كان مرجو البرء كالحمى وما أشبهها ، أجزأ في الكفارة . وإن كان غير مرجو الزوال ، كالسل ، ونحوه ، لم يجزئ ; لأن زواله يندر ، ولا يتمكن من العمل مع بقائه . وأما نضو الخلق ، فإن كان يتمكن معه من العمل أجزأ ، وإلا فلا . القاضي
ويجزئ الأحمق ، وهو الذي يخطئ على بصيرة ، ويصنع الأشياء لغير فائدة ، ويرى الخطأ صوابا ، ومن يخنق في الأحيان ، والخصي ، والمجبوب ، والرتقاء ، والكبير الذي يقدر على العمل ; لأن ما لا يضر بالعمل ، لا يمنع تمليك العبد منافعه ، وتكميل أحكامه ، فيحصل الإجزاء به كالسالم من العيوب .