الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6761 ) مسألة : قال : ( وإذا اشترك الجماعة في القتل ، فأحب الأولياء أن يقتلوا الجميع ، فلهم ذلك ، وإن أحبوا أن يقتلوا البعض ، ويعفوا عن البعض ، ويأخذوا الدية من الباقين ، فلهم ذلك ) أما قتلهم للجميع ، فقد ذكرناه فيما مضى ، وأما إن أحبوا قتل البعض فلهم ذلك ، لأن كل من لهم قتله فلهم العفو عنه ، كالمنفرد ، ولا يسقط القصاص عن البعض بعفو البعض ; لأنهما شخصان ، فلا يسقط القصاص عن أحدهما بإسقاطه عن الآخر ، كما لو قتل كل واحد رجلا .

                                                                                                                                            وأما إذا اختاروا أخذ الدية من القاتل ، أو من بعض القتلة ، فإن لهم هذا من غير رضى الجاني . وبهذا قال سعيد بن المسيب ، وابن سيرين ، والشافعي ، وعطاء ، ومجاهد وإسحاق ، وأبو ثور ، وابن المنذر . وقال النخعي ومالك وأبو حنيفة : ليس للأولياء إلا القتل ، إلا أن يصطلحا على الدية برضى الجاني . وعن مالك رواية أخرى ، كقولنا ، واحتجوا بقوله تعالى : { كتب عليكم القصاص } . والمكتوب لا يتخير فيه ، ولأنه متلف يجب به البدل ، فكان بدله معينا ، كسائر أبدال المتلفات .

                                                                                                                                            ولنا ، قول الله تعالى : { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } . قال ابن عباس : كان في بني إسرائيل القصاص ، ولم يكن فيهم الدية ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : { كتب عليكم القصاص في القتلى } . الآية ، { فمن عفي له من أخيه شيء } . فالعفو أن تقبل في العمد الدية { فاتباع بالمعروف } يتبع الطالب بالمعروف ، ويؤدي إليه المطلوب { بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } . مما كتب على من قبلكم . رواه البخاري . وروى أبو هريرة ، قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من { قتل له قتيل ، فهو بخير النظرين ، إما أن يودى ، وإما يقاد } متفق عليه .

                                                                                                                                            وروى أبو شريح ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ثم أنتم يا خزاعة ، قد قتلتم هذا القتيل ، وأنا والله عاقله ، فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين ; إن أحبوا قتلوا ، وإن أحبوا أخذوا الدية } رواه أبو داود ، وغيره . ولأن القتل المضمون إذا سقط فيه القصاص من غير إبراء ، ثبت المال ، كما لو عفا بعض الورثة ، ويخالف سائر المتلفات ; لأن بدلها يجب من [ ص: 285 ] جنسها ، وها هنا يجب في الخطأ وعمد الخطأ من غير الجنس ، فإذا رضي في العمد ببدل الخطأ ، كان له ذلك ; لأنه أسقط بعض حقه ، ولأن القاتل أمكنه إحياء نفسه ببذل الدية ، فلزمه وينتقض ما ذكروه بما إذا كان رأس الشاج أصغر ، أو يد القاطع أنقص ، فإنهم سلموا فيهما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية