الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6250 ) الفصل الرابع : أنه إذا قذف زوجته المحصنة ، وجب عليه الحد ، وحكم بفسقه ، ورد شهادته ، إلا أن يأتي ببينة أو يلاعن ، فإن لم يأت بأربعة شهداء ، أو امتنع من اللعان ، لزمه ذلك كله . وبهذا قال مالك ، والشافعي . وقال أبو حنيفة : يجب اللعان دون الحد ، فإن أبى حبس حتى يلاعن ; لأن الله تعالى قال : { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات } الآيات . فلم يوجب بقذف الأزواج إلا اللعان . ولنا قول الله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون } وهذا عام في الزوج وغيره ، وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة ، في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه .

                                                                                                                                            وأيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { البينة وإلا حد في ظهرك } . وقوله لما لاعن : " عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة " . ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه ، فلزمه إذا لم يأت بالبينة المشروعة ، كالأجنبي . فأما إن قذف غيرها كالكتابية والأمة ، والمجنونة ، والطفلة ، فإنه يجب عليه التعزير بذلك ; لأنه أدخل عليهن المعرة بالقذف ، ولا يحد لهن حدا كاملا لنقصانهن بذلك ، ولا يتعلق به فسق ، ولا رد شهادة ; لأنه لا يوجب الحد . قال القاضي : وليس له إسقاط هذا التعزير باللعان ; لأن اللعان إما لنفي النسب ، أو لدرء الحد ، وليس هاهنا واحد منهما .

                                                                                                                                            وقال الشافعي : له إسقاطه باللعان ; لأنه إذا ملك إسقاط الحد الكامل باللعان ، فإسقاط ما دونه أولى . وللقاضي أن يقول : لا يلزم من مشروعيته لدفع الحد الذي يعظم ضرره ، مشروعيته لدفع ما يقل ضرره ، كما لو قذف طفلة لا يتصور وطؤها ، فإنه يعزر تعزير السب والأذى ، وليس له إسقاطه باللعان . كذا هاهنا . وأما إن كان [ ص: 49 ] لأحد هؤلاء ، ولا يريد نفيه ، فقال القاضي : له أن يلاعن لنفيه . وهذا قول الشافعي ، وهو ظاهر كلام أحمد ، في الأمة والكتابية ، سواء كان لهما ولد أو لم يكن . وقد ذكرنا ذلك فيما مضى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية