الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 276 ] مسألة : قال : ( وإذا قتل وله وليان ; بالغ ، وطفل أو غائب ، لم يقتل ، حتى يقدم الغائب ويبلغ الطفل ) وجملته أن ورثة القتيل إذا كانوا أكثر من واحد ، لم يجز لبعضهم استيفاء القود إلا بإذن الباقين ، فإن كان بعضهم غائبا ، انتظر قدومه ، ولم يجز للحاضر الاستقلال بالاستيفاء ، بغير خلاف علمناه ، وإن كان بعضهم صغيرا أو مجنونا ، فظاهر مذهب أحمد رحمه الله أنه ليس لغيرهما الاستيفاء حتى يبلغ الصغير ويفيق المجنون . وبهذا قال ابن شبرمة ، وابن أبي ليلى ، والشافعي ، وأبو يوسف ، وإسحاق ، ويروى عن عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله

                                                                                                                                            وعن أحمد ، رواية أخرى : للكبار العقلاء استيفاؤه . وبه قال حماد ، ومالك ، والأوزاعي ، والليث ، وأبو حنيفة ; لأن الحسن بن علي رضي الله عنهما ، قتل ابن ملجم ، قصاصا ، وفي الورثة صغار ، فلم ينكر ذلك ، ولأن ولاية القصاص هي استحقاق استيفائه ، وليس للصغير هذه الولاية . ولنا ، أنه قصاص غير متحتم ، ثبت لجماعة معينين ، فلم يجز لأحدهم استيفاؤه استقلالا ، كما لو كان بين حاضر وغائب ، أو أحد بدلي النفس ، فلم ينفرد به بعضهم كالدية ، والدليل على أن للصغير والمجنون فيه حقا أربعة أمور ; أحدها ، أنه لو كان منفردا لاستحقه ، ولو نافاه الصغر مع غيره لنافاه منفردا ، كولاية النكاح .

                                                                                                                                            والثاني ، أنه لو بلغ لاستحق ، ولو لم يكن مستحقا عند الموت لم يكن مستحقا بعده ، كالرقيق إذا عتق بعد موت أبيه . والثالث : أنه لو صار الأمر إلى المال ، لاستحق ، ولو لم يكن مستحقا للقصاص لما استحق بدله ، كالأجنبي . والرابع : أنه لو مات الصغير لاستحقه ورثته ، ولو لم يكن حقا لم يرثه ، كسائر ما لم يستحقه ، فأما ابن ملجم ، فقد قيل : إنه قتله بكفره ، لأنه قتل عليا مستحلا لدمه ، معتقدا كفره ، متقربا بذلك إلى الله تعالى . وقيل : قتله لسعيه في الأرض بالفساد ، وإظهار السلاح ، فيكون كقاطع الطريق إذا قتل . وقتله متحتم ، وهو إلى الإمام ، والحسن هو الإمام ، ولذلك لم ينتظر الغائبين من الورثة . ولا خلاف بيننا في وجوب انتظارهم ، وإن قدر أنه قتله قصاصا ، فقد اتفقنا على خلافه ، فكيف يحتج به بعضنا على بعض .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية