( 6211 ) مسألة قال : ( لكل مسكين مد من بر أو نصف صاع من تمر أو شعير ) وجملة الأمر ، أن قدر الطعام في الكفارات  كلها مد من بر لكل مسكين ، أو نصف صاع من تمر أو شعير . وممن قال : مد بر .  زيد بن ثابت  ،  وابن عباس  ،  وابن عمر    . حكاه عنهم الإمام  أحمد  ، ورواه عنهم  الأثرم  ، وعن  عطاء  ، وسليمان بن موسى    . وقال  سليمان بن يسار    : أدركت الناس إذا أعطوا في كفارة اليمين مدا من حنطة بالمد الأصغر ، مد النبي صلى الله عليه وسلم . وقال  أبو هريرة    : يطعم مدا من أي الأنواع كان . 
وبهذا قال  عطاء  ، والأوزاعي  ،  والشافعي    ; لما روى أبو داود  ، بإسناده عن  عطاء  ، عن { أوس  ابن أخي  عبادة بن الصامت ،  أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه  [ ص: 25 ] يعني المظاهر خمسة عشر صاعا من شعير ، إطعام ستين مسكينا .   } وروى  الأثرم  ، بإسناده عن  أبي هريرة  في حديث المجامع في رمضان ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بعرق فيه خمسة عشر صاعا ، فقال : خذه وتصدق به   } . وإذا ثبت في المجامع بالخبر ، ثبت في المظاهر بالقياس عليه ، ولأنه إطعام واجب ، فلم يختلف باختلاف أنواع المخرج ، كالفطرة وفدية الأذى . وقال  مالك    : لكل مسكين مدان من جميع الأنواع . وممن قال : مدان من قمح ;  مجاهد  ، وعكرمة  ، والشعبي  ،  والنخعي    ; لأنها كفارة تشتمل على صيام وإطعام ، فكان لكل مسكين نصف صاع ، كفدية الأذى . 
وقال  الثوري  وأصحاب الرأي : من القمح مدان ، ومن التمر والشعير صاع ، لكل مسكين ; { لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سلمة بن صخر    : فأطعم وسقا من تمر   } . رواه الإمام  أحمد  ، في المسند ، وأبو داود  ، وغيرهما . وروى  الخلال ،  بإسناده عن  يوسف بن عبد الله بن سلام  ، عن { خويلة    : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر   } . وفي رواية أبي داود    : والعرق ستون صاعا . وروى  ابن ماجه  ، بإسناده عن  ابن عباس  ، قال : { كفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر ، وأمر الناس : فمن لم يجد فنصف صاع من بر   } . وروى  الأثرم  ، بإسناده عن  عمر  رضي الله عنه قال : أطعم عني صاعا من تمر أو شعير ، أو نصف صاع من بر . ولأنه إطعام للمساكين ، فكان صاعا من التمر والشعير ، أو نصف صاع من بر ، كصدقة الفطر . 
ولنا ما روى الإمام  أحمد ،  ثنا  إسماعيل  ، ثنا أيوب  ، عن أبي يزيد المدني  قال : { جاءت امرأة من بني بياضة  بنصف وسق شعير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمظاهر : أطعم هذا ; فإن مدي شعير مكان مد بر   } . وهذا نص . ويدل على أنه مد بر ، أنه قول  زيد  ،  وابن عباس  ،  وابن عمر  ،  وأبي هريرة  ، ولم نعرف لهم في الصحابة مخالفا ، فكان إجماعا ، وعلى أنه نصف صاع من التمر أو الشعير ، ما روى  عطاء بن يسار  ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخويلة  امرأة أوس بن الصامت  اذهبي إلى فلان الأنصاري ، فإن عنده شطر وسق من تمر ، أخبرني أنه يريد أن يتصدق به ، فلتأخذيه ، فليتصدق به على ستين مسكينا   } . 
وفي حديث أوس بن الصامت  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إني سأعينه بعرق من تمر . قلت : يا رسول الله ، فإني سأعينه بعرق آخر . قال : قد أحسنت ، اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكينا ، وارجعي إلى ابن عمك   } . وروى أبو داود  ، بإسناده عن  أبي سلمة بن عبد الرحمن  ، أنه قال : العرق زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعا . فعرقان يكونان ثلاثين صاعا ، لكل مسكين نصف صاع ، ولأنها كفارة تشتمل على صيام وإطعام ، فكان لكل مسكين نصف صاع من التمر والشعير ، كفدية الأذى . فأما رواية أبي داود  أن " العرق ستون صاعا " . فقد ضعفها وقال : غيرها أصح منها . وفي الحديث ما يدل على الضعف ; لأن ذلك في سياق قوله : ( إني سأعينه بعرق ) . فقالت امرأته : إني سأعينه بعرق آخر . قال : ( فأطعمي بها عنه ستين مسكينا ) . فلو كان العرق ستين صاعا ، لكانت الكفارة مائة وعشرين صاعا ، ولا قائل به . 
وأما حديث المجامع الذي أعطاه خمسة عشر صاعا ، فقال : ( تصدق به ) . فيحتمل أنه اقتصر عليه إذ لم يجد سواه ، ولذلك لما أخبره بحاجته إليه أمره بأكله . وفي الحديث المتفق عليه : ( قريب من عشرين صاعا ) . وليس ذلك مذهبا  لأحمد  ، فيدل على أنه اقتصر على البعض الذي لم يجد سواه . وحديث أوس بن أخي عبادة  مرسل ، يرويه  [ ص: 26 ] عنه  عطاء  ولم يدركه ، على أنه حجة لنا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه عرقا ، وأعانته امرأته بآخر ، فصارا جميعا ثلاثين صاعا . 
وسائر الأخبار نجمع بينها وبين أخبارنا بحملها على الجواز ، وأخبارنا على الإجزاء ، وقد عضد هذا أن  ابن عباس  راوي بعضها ، ومذهبه أن المد من البر يجزئ ، وكذلك  أبو هريرة  ، وسائر ما ذكرنا من الأخبار ، مع الإجماع الذي نقله  سليمان بن يسار    . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					