[ ص: 27 ] مسألة قال : ( ولو ، أجزأ ، في إحدى الروايتين ) وهذا مذهب أعطى مسكينا مدين من كفارتين في يوم واحد ، لأنه دفع القدر الواجب إلى العدد الواجب ، فأجزأ ، كما لو دفع إليه المدين في يومين . والأخرى ، لا يجزئه . وهو قول الشافعي ; لأنه استوفى قوت يوم من كفارة ، فلم يجزئه الدفع إليه ثانيا في يومه ، كما لو دفعهما إليه من كفارة واحدة . فعلى هذه الرواية ، يجزئه عن إحدى الكفارتين . وهل له الرجوع في الأخرى ؟ ينظر ; فإذا كان أعلمه أنها عن كفارة ، فله الرجوع ، وإلا فلا . ويتخرج أن لا يرجع بشيء ، على ما ذكرناه في الزكاة . والرواية الأولى أقيس وأصح ، فإن اعتبار عدد المساكين ، أولى من اعتبار عدد الأيام ، ولو دفع إليه ذلك في يومين أجزأ ، ولأنه لو كان الدافع اثنين ، أجزأ عنهما ، فكذلك إذا كان الدافع واحدا . أبي حنيفة
ولو ، أجزأه من ذلك ثلاثون ، ويطعم ثلاثين آخرين ، وإن دفع الستين من كفارتين . أجزأه ذلك . على إحدى الروايتين ، ولا يجزئ في الأخرى إلا عن ثلاثين . والأمر الثاني ، أن دفع ستين مدا إلى ثلاثين فقيرا من كفارة واحدة ما يجزئ في الفطرة ، وهو البر ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، سواء كانت قوته أو لم تكن ، وما عداها . فقال المجزئ في الإطعام : لا يجزئ إخراجه ، سواء كان قوت بلده أو لم يكن ; لأن الخبر ورد بإخراج هذه الأصناف ، على ما جاء في الأحاديث التي رويناها ، ولأنه الجنس المخرج في الفطرة ، فلم يجزئ غيره ، كما لو لم يكن قوت بلده . وقال القاضي : عندي أنه يجزئه الإخراج من جميع الحبوب التي هي قوت بلده ، كالذرة ، والدخن ، والأرز ; لأن الله تعالى قال : { أبو الخطاب من أوسط ما تطعمون أهليكم } .
وهذا مما يطعمه أهله ، فوجب أن يجزئه بظاهر النص . وهذا مذهب . فإن أخرج غير قوت بلده ، أجود منه ، فقد زاد خيرا ، وإن كان أنقص ، لم يجزئه ، وهذا أجود . ( 6215 ) فصل : والأفضل عند الشافعي ، إخراج الحب ; لأنه يخرج به من الخلاف ، وهي حالة كماله ، لأنه يدخر فيها ، ويتهيأ لمنافعه كلها ، بخلاف غيره . فإن أخرج دقيقا جاز ، لكن يزيد على قدر المد قدرا يبلغ المد حبا ، أو يخرجه بالوزن ; لأن للحب ريعا ، فيكون في مكيال الحب أكثر مما في مكيال الدقيق . قال أبي عبد الله : قيل الأثرم : فيعطي البر والدقيق ؟ فقال : أما الذي جاء فالبر ، ولكن إن أعطاهم الدقيق بالوزن ، جاز . وقال لأبي عبد الله لا يجزئ ; لأنه ليس بحال الكمال ، لأجل ما يفوت به من وجوه الانتفاع ، فلم يجز ، كالهريسة . الشافعي
ولنا قول الله تعالى : { فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم } . والدقيق من أوسط ما يطعمه أهله ، ولأن الدقيق أجزاء الحنطة ، وقد كفاهم مؤنته وطحنه ، وهيأه وقربه من الأكل ، وفارق [ ص: 28 ] الهريسة ، فإنها تتلف على قرب ، ولا يمكن الانتفاع بها في غير الأكل في تلك الحال ، بخلاف مسألتنا . وعن في إخراج الخبز روايتان ; إحداهما ، يجزئ . اختارها أحمد . ونص عليه الخرقي ، في رواية أحمد ، فإنه قال : قلت الأثرم : رجل أخذ ثلاثة عشر رطلا وثلثا دقيقا ، وهو كفارة اليمين ، فخبزه للمساكين ، وقسم الخبز على عشرة مساكين ، أيجزئه ذلك ؟ قال ذلك أعجب إلي ، وهو الذي جاء فيه الحديث أن يطعمهم مد بر ، وهذا إن فعل فأرجو أن يجزئه . قلت : إنما قال الله تعالى : { لأبي عبد الله إطعام عشرة مساكين } . فهذا قد أطعم عشرة مساكين ، وأوفاهم المد . قال : أرجو أن يجزئه . وهذا قول بعض أصحاب . الشافعي
ونقل ، في موضع آخر ، أن الأثرم سأله رجل عن الكفارة ، قال : أطعمهم خبزا وتمرا ؟ قال : ليس فيه تمر . قال : فخبز ؟ . قال : لا ، ولكن برا أو دقيقا بالوزن ، رطل وثلث لكل مسكين . فظاهر هذا أنه لا يجزئه . وهو مذهب أحمد ; لأنه خرج عن حالة الكمال والادخار فأشبه الهريسة . والأول أحسن ; لأن الله تعالى قال : { الشافعي إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم } . وهذا من أوسط ما يطعم أهله ، وليس الادخار مقصودا في الكفارة ، فإنها مقدرة بما يقوت المسكين في يومه ، فيدل ذلك على أن المقصود كفايته في يومه ، وهذا قد هيأه للأكل المعتاد للاقتيات ، وكفاهم مؤنته ، فأشبه ما لو نقى الحنطة وغسلها .
وأما الهريسة والكبول ونحوهما ، فلا يجزئ ; لأنهما خرجا عن الاقتيات المعتاد إلى حيز الإدام . وأما السويق ، فالصحيح أنه لا يجزئ ; لذلك . ويحتمل أن يجزئ ; لأنه يقتات في بعض البلدان ، ولا يجزئه من الخبز والسويق أقل من شيء يعمل من مد ، فإن أخذ مد حنطة ، أو رطلا وثلثا من الدقيق ، وصنعه خبزا ، أجزأه . وقال : يجزئه رطلان . قال الخرقي : المد يجيء منه رطلان ; وذلك لأن الغالب أن رطلين من الخبز لا تكون إلا من مد ، وذلك بالرطل الدمشقي خمس أواق وأقل من خمس أوقية ، وهذا في البر ، فأما إن كان المخرج من الشعير ، فلا يجزئه إلا ضعف ذلك ، على ما قررناه . القاضي