[ ص: 277 ] فصل : حتى يبلغ الصبي ، ويعقل المجنون ، ويقدم الغائب ، وقد حبس وكل موضع وجب تأخير الاستيفاء ، فإن القاتل يحبس معاوية هدبة بن خشرم في قصاص حتى بلغ ابن القتيل ، في عصر الصحابة ، فلم ينكر ذلك ، وبذل الحسن والحسين لابن القتيل سبع ديات ، فلم يقبلها . فإن قيل : فلم لا يخلى سبيله كالمعسر بالدين ؟ قلنا : لأن في تخليته تضييعا للحق ، فإنه لا يؤمن هربه ، والفرق بينه وبين المعسر من وجوه ; أحدها : أن قضاء الدين لا يجب مع الإعسار ، فلا يحبس بما لا يجب ، والقصاص هاهنا واجب ، وإنما تعذر المستوفي . وسعيد بن العاص
الثاني ، أن المعسر إذا حبسناه تعذر الكسب لقضاء الدين ، فلا يفيد ، بل يضر من الجانبين ، وها هنا الحق نفسه يفوت بالتخلية لا بالحبس . الثالث : أنه قد استحق قتله ، وفيه تفويت نفسه ونفعه ، فإذا تعذر تفويت نفسه ، جاز تفويت نفعه لإمكانه . فإن قيل : فلم يحبس من أجل الغائب ، وليس للحاكم عليه ولاية إذا كان مكلفا رشيدا ; ولذلك لو وجد بعض ماله مغصوبا لم يملك انتزاعه ؟ قلنا : لأن في القصاص حقا للميت ، وللحاكم عليه ولاية ، ولهذا تنفذ وصاياه من الدية ، وتقضى ديونه منها ، فنظيره أن يجد الحاكم من تركة الميت في يد إنسان شيئا غصبا ، والوارث غائب ، فإنه يأخذه .
ولو كان القصاص لحي في طرفه ، لم يتعرض لمن هو عليه . فإن أقام القاتل كفيلا بنفسه ليخلي سبيله ، لم يجز ; لأن الكفالة لا تصح في القصاص ، فإن فائدتها استيفاء الحق من الكفيل إن تعذر إحضار المكفول به ، ولا يمكن استيفاؤه من غير القاتل ، فلم تصح الكفالة به كالحد ، ولأن فيه تغريرا بحق المولى عليه ، فإنه ربما خلى سبيله فهرب ، فضاع الحق .