الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6899 ) فصل : وإن جنى على رأسه جناية ذهب بها بصره ، فعليه ديته ; لأنه ذهب بسبب جنايته ، وإن لم يذهب بها ، فداواها ، فذهب بالمداواة ، فعليه ديته ; لأنه ذهب بسبب فعله . وإن اختلفوا في ذهاب البصر ، رجع إلى اثنين عدلين مسلمين من أهل الخبرة ; لأن لهما طريقا إلى معرفة ذلك ، لمشاهدتهما العين التي هي محل البصر ، ومعرفة بحالها ، بخلاف السمع ، وإن لم يوجد أهل الخبرة ، أو تعذر معرفة ذلك ، اعتبر بأن يوقف في عين الشمس ، ويقرب الشيء من عينه في أوقات غفلته ; فإن طرف عينه ، وخاف من الذي يخوف به ، فهو كاذب ، وإلا حكم له . وإذا علم ذهاب بصره ، وقال أهل الخبرة : لا يرجى عوده . وجبت الدية .

                                                                                                                                            وإن قالوا : يرجى عوده إلى مدة عينوها ، انتظر إليها ، ولم يعط الدية حتى تنقضي المدة ، فإن عاد البصر ، سقطت عن الجاني ، وإن لم يعد ، استقرت الدية . وإن مات المجني عليه قبل العود ، استقرت الدية ، سواء مات في المدة أو بعدها . فإن ادعى الجاني عود بصره قبل موته وأنكر وارثه ، فالقول قول الوارث ; لأن الأصل معه . وإن جاء أجنبي ، فقلع عينه في المدة ، استقرت على الأول الدية أو القصاص ; لأنه أذهب البصر فلم يعد ، وعلى الثاني حكومة ; لأنه أذهب عينا لا ضوء لها ، يرجى عودها . وإن قال الأول : عاد ضوءها . وأنكر الثاني : فالقول قول المنكر ; لأن الأصل معه ، فإن صدق المجني عليه الأول ، سقط حقه عنه ، ولم يقبل قوله على الثاني .

                                                                                                                                            وإن قال أهل الخبرة : يرجى عوده ، لكن لا نعرف له مدة . وجبت الدية أو القصاص ; لأن انتظار ذلك إلى غير غاية يفضي إلى إسقاط موجب الجناية ، والظاهر في البصر عدم العود ، والأصل يؤيده ، فإن عاد قبل استيفاء الواجب سقط ، وإن عاد بعد الاستيفاء ، وجب رد ما أخذ منه ; لأنا تبينا أنه لم يكن واجبا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية