التحذير من علل التدين
والأمر المفزع حقا هـو تسلل علل التدين السابقة إلى بعض قطاعات في عالم المسلمين.. أقول بعض القطاعات وليست الأمة بمجموعها لأن هـذا يتناقض مع طبيعة الرسالة الخاتمة كما قدمنا.
إن ظهور هـذه العلل على شكل تشوه تارة، وانحراف أخرى في بعض قطاعات الأمة المسلمة أمر طبيعي في حدوثه ووجوده، مفزع وخطير في تطوره واستمراره، طبيعي لأنه يتسلل من خلال طبائع البشر وما جبلت عليه نفوسهم، وهو من العلل المزمنة التي حذر الله منها، والتحذير دليل إمكانية الوقوع ( وخير الخطائين التوابون ) والشر من لوازم الخير على كل حال.
لقد حذر الله من تحريف الكلم، وحذر من الأكل بكتاب الله، كما حذر من أكل أموال الناس بالباطل، ولا شك أن لكل ظاهرة من ظواهر الشذوذ والانحراف أسبابها وجذورها العميقة، وإن رصد هـذه الظواهر واستقراءها إنما يكون وسيلة للتعرف عليها واكتشاف أسبابها، وبالتالي معالجة الأسباب التي أدت إليها، وعدم الاكتفاء بمعالجة الأعراض، وعدم الاكتفاء بالحكم على الصورة ورجمها بالحجارة عن إدراك الحقيقة وحسن تناولها. [ ص: 18 ]
والأمر الذي يلفت النظر بالنسبة لعالم المسلمين اليوم، الاكتفاء بالإحساس والعجز عن الإدراك، ورؤية الصورة، وغياب الحقيقة، ومعالجة الأعراض وإهمال الأمراض بعدم القضاء على أسبابها.
إن الصورة الكثيرة التي يلمسها الإنسان اليوم للتدين والتي بدأت تتسلل إلى أكثر من مستوى في حياة الأمة تشكل بمجموعها نذر خطر وأمارة سقوط في علل التدين التي أدركت الأمم السابقة، وكانت سبب انقراضها، وهنا لا بد من العزمة الأكيدة على إخضاع هـذه العلل للدراسة والتحليل ومعرفة الأسباب، ومن ثم معالجتها من خلال المنهج الإسلامي نفسه، إنها صورة سلبية خطيرة في حياة المسلمين وعلى أكثر من مستوى فإلى أي مدى تستطيع الأمة المسلمة بما تملك من مناهج وضوابط ومقاييس أن تقف فتنتفع بهذه الظواهر السلبية في عمليات التحصين؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يحمل هـذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ) ، وكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم يجمل في هـذا الحديث الجامع العلل والتحديات التي لا تخرج في نهاية الأمر عن هـذه الأمور الثلاثة:
تحريف الغلاة - انتحال أهل الباطل - تأويل أهل الجهل.
تحريف الغلاة، هـؤلاء الذين يتشكلون في الأمة على وضع بعيد عن التوازن والاعتدال. بسبب من ردود الفعل أو ضغوط المجتمع غير المسلم من حولهم فيقرءون الإسلام من خلال أوضاعهم النفسية وظروفهم الحياتية، فينحرفون به عن وجهته الصحيحة ويحملون عليه ما ليس منه، ولكل عصر غلاته وخوارجه.
وليست خطورة نحل أهل الباطل ومحاولة تطويع الإسلام لتصوراتهم المسبقة بأقل خطورة من تحريف الغلاة باسم الدين، بل هـما على قدم المساواة من حيث الخطورة، أما تأويل الجاهلين والجرأة على الفتوى وإصدار الأحكام بدون امتلاك الأداة المطلوبة فلنا معه وقفة أخرى إن شاء الله.. [ ص: 19 ]