تأملات في مسيرة العمل الإسلامي (1)
( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) (آل عمران: 110)
من الحقائق الثابتة التي لا يختلف عليها اثنان من الناحية الشرعية، أن غاية الإنسان المسلم في هـذه الحياة هـي تحقيق معنى العبودية لله سبحانه وتعالى في ذاته ومجتمعه بالمعنى الشامل الذي يعني أول ما يعني القيام بأعباء الاستخلاف في الأرض بأبعاده المتعددة ونشاطاته المتنوعة، وتعمير الكون وفقا لمنهج الله، الذي أوقفنا عليه الرسل، وكان مسلكهم وسيرتهم أنموذجا عمليا للسائرين على الطريق، وتعاملهم مع السنن التي تحكم الحياة والأحياء هـو المنهج المنوط بالمؤمن سلوكه في عمليات الهداية والتغيير للوصول بالبشرية التائهة إلى تحقيق معنى العبودية في حياتها التي خلق الإنسان من أجله.. أداء لأمانة المسئولية التي حملها الإنسان بعد أن أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها. [ ص: 32 ]
قال تعالى: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) (الذاريات: 56) ، وقال: ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ) (الأحزاب: 72) .
إذا الإنسان هـو أساس التغيير في التصور الإسلامي، والتزام طريق النبوة في الحركة هـو منهجه، والوصول إلى تحقيق العبودية والفوز برضا الله تعالى هـو هـدفه.
وهذا لا بد له من نية وهي اقتناع العقل وعزم القلب وانبعاث الهمة، والعمل الذي هـو الاستجابة السلوكية والتعبير الإيجابي عن القناعة العقيدية والنفسية والفكرية ودليل صدقها. قال تعالى: ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) (فصلت: 30) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) .
لذلك اختلفت النبوة عن الفلسفة وجاء عطاء الأنبياء مختلفا تماما عن نظرات الفلاسفة ومعارفهم الباردة العاجزة. وقافلة النبوة في الهداية والعطاء مستمرة تكتسب كل يوم مواقع جديدة. حيث لم يبق لنظرات الفلاسفة إلا بعض القيمة التاريخية التي لم تتجاوز الكتب والمكتبات ولم يكن لها نصيب يذكر من التغيير الاجتماعي. من هـنا نقول: