دعوة للمراجعة وتجديد الانتماء
( لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية ) (الحاقة: 12)
لا نستطيع أن نتهم عالم العرب والمسلمين بعدم المعرفة للنيات اليهودية والمخططات الصهيونية، وقد أخذ الكلام عن بني إسرائيل وبيان نياتهم وما تنطوي عليه نفوسهم المساحة الأكبر في القرآن الكريم، وما قدمته الدراسات والبحوث ومراكز المعلومات، والمؤلفات في هـذا الموضوع عن ممارساتهم وأهدافهم لم يعد خافيا على أحد، لكن الذي نستطيع قوله: إننا نعاني من حالة العجز عن توظيف هـذه المعرفة وامتلاك الإرادة المستقلة للاستفادة منها والقدرة على الالتزام بأخلاق المعرفة وكأننا بمراكز الدراسات والمعلومات والمؤلفات التي ننشئها إما نمارس عملية التقليد للشكل والصورة التي نراها عند الآخرين في الدول المتقدمة دون القدرة على توظيفها، نقف عند حدودها فقط لا نتعداها.. ولو أننا أحصينا ورصدنا ما تخرجه المطابع العربية في يوم واحد من أيام نصف القرن الماضي لكان وحده كافيا لتعريفنا بعدونا نياته ووسائله في الوصول إلى هـذه النوايا وتحقيقها، وقدرته المستمرة على نقل المعركة من موقع إلى آخر بشكل [ ص: 24 ] مدروس ومحسوب ينسي العرب والمسلمين الموقع السابق، ويصرف جهودهم إلى المشكلات الجديدة التي صنعتها لهم إسرائيل لينشغلوا بحلها، وتنفرد هـي بتحقيق أهدافها كاملة في المواقع السابقة التي احتلتها، وهذا يلحظ بوضوح ابتداء من قيام الكيان الصهيوني عام 1948م. وانتهاء بغزو لبنان لإنهاء المقاومة الفلسطينية، وإشعال الألغام الطائفية، واحتلال الجنوب اللبناني والبدء بتهويده..
ولقد استطاعت إسرائيل بشكل أو بآخر أن تحضر الظروف الملائمة لقيام الفتن الداخلية وإشعال الحروب الحدودية بين العرب والمسلمين في أكثر من موقع، حتى بات الإنسان يسمع أصوات النشاز تقول: إن الطريق إلى تحرير فلسطين لا بد أن يمر بالعاصمة العربية الفلانية أو الفلانية؟!.. ولو صمدنا أمام إسرائيل كصمودنا في واحدة من معارك اقتتالنا لكانت كافية لمواجهة إسرائيل واسترداد الحق وتحقيق العدل، ولا نكون مبالغين إذا قلنا: إن الدماء التي تسيل في معركة واحدة يمكن أن تكون كافية لتحرير فلسطين..