الشعور بالتحدي
ونحن لا نريد بما عرضنا له أن نساهم بصورة اليأس والتشاؤم التي بلغت مداها في عالمنا العربي، لكن الأمر الذي نقصد إليه هـو بيان صور التحدي والكشف عن حقيقة هـذا التحدي الذي يواجه الأمة، لأن الشعور بالتحدي يوقظ الحس، ويلهب المشاعر، ويذكي الروح، ويجمع الطاقات النفسية [ ص: 29 ] والمادية لتبدأ عملية الإقلاع من جديد، ولندعو الأمة لمراجعة الحساب وإعادة النظر بالوسائل والأهداف على المستويات كلها، ذلك أن الأمة الإسلامية قد أصيبت في تاريخها بالكثير الكثير من المآسي والنكبات، لكنها كانت دائما قادرة على تجاوز المحن حال عودتها إلى أصولها تستمد منها مصادر القوة بعد أن تسقط جميع الصور المشوهة والزائفة التي سببت هـذه المآسي..
ونعتقد أن وجود إسرائيل سيبقى وجودا عارضا مهما طال به الزمن، ولنا من بعض المواقف والشعارات المؤمنة في معركتنا الحديثة مع يهود نافذة كافية للدلالة على ما نقول، وأن أعمار الأمم لا تقاس بجيل أو جيلين، وقوة الأمة لا يحكم عليها من خلال فترات المرض التي تعاني منها، وأن قضية فلسطين ليست ملكا لجيل بعينه يساوم عليها أو يتهاون في المواجهة والدفاع عنها، وإنما هـي ملك الأمة بكل أجيالها وتاريخها وعقيدتها..
إن قيام إسرائيل على الرؤية التوراتية يجب أن يكون باعثا لنا على العودة إلى عقيدتنا، درع صمودنا وعدة جهادنا، لكن للأسف ابتلعنا الطعم الذي ألقي لنا وسقطنا في الشرك، وكانت فرية التفريق بين اليهودية والصهيونية، والأمر الذي ساهم إلى حد بعيد بتكريس انسلاخنا عن إسلامنا، واستمرار المغالطة، ولم نجن من قيام إسرائيل انبعاث الروح الإسلامية كما استيقظت في الحقبة الصليبية والهجمة المغولية، وإنما الذي جنيناه ظهور النزعات الطائفية واستيقاظ أحقادها التي تزيد من إنهاكنا وتمكن ليهود في أرضنا..
يقول (بن جوريون) :
(.. علينا أن نتذكر أنه من أجل قدرة الدولة اليهودية على البقاء لا بد أن نكون جيرانا للبنان النصراني من جهة، وأن تكون أراضي النقب القاحلة من جهة أخرى، وكذلك مياه الأردن والليطاني وثلوج جبل الشيخ داخل حدودنا..)
لقد استطاعت إسرائيل أن تزرع - وهذا من لوازم وجودها - ألغاما طائفية وتستمسك بفتيلها لتفجرها في الوقت الذي تريد، ولقد استطاعت أن تنجح في إقامة كيانات طائفية، ظاهرة ومقنعة، تلك الطائفيات التي كانت ولا تزال جسرا يعبر من خلال أعداء هـذه الأمة في تاريخها الطويل.. [ ص: 30 ]
ولسنا الآن بسبيل التذكير بالحملات الصليبية ومن كانوا ادلاءها وأعوانها في العالم الإسلامي ولا الهجمات التترية المغولية ومن كانوا عملاءها وعيونها، ولا الاستعمار الحديث ومن كان معتمده ومرتكزه..
وبعد: فإن فهمنا الصحيح ووحدة انتمائنا للإسلام الذي وسع الجميع بعدله، وضمن لهم حرية المعتقد، هـو الطريق الوحيد، تاريخيا وحضاريا وواقعيا، لحل المشكلات التي نعاني منها على مختلف الأصعدة.
[صفر: 1404هـ - تشرين الثاني (نوفمبر) : 1984م] [ ص: 31 ]