المواجهة المكلفة
لذلك نقول: إن الدعوة الإسلامية الحديثة خاضت معارك متعددة الجوانب، وكانت المواجهة مكلفة خلال نصف قرن من الزمان.
إنه قدر هـذه الأمة في هـذه المرحلة من الحياة، كما أنها قدمت تضحيات وخاضت معارك ضد الظلم والاضطهاد والاستعمار والاستعباد أعادت للذاكرة صور الجهاد الأولى، ودقت ناقوس الخطر اليهودي والتبعية الثقافية بشكل مبكر، ومبكر جدا، فلعلنا ندفع اليوم ثمن الانسلاخ عن الإسلام، وضريبته من التفرقة والتخلف.
نعود إلى القول: إن الدعوة الإسلامية الحديثة، رغم كل محاولات التفتيت، استطاعت الاحتفاظ بشعور المسلمين بوحدة العالم الإسلامي، وعملت على تنمية هـذا الشعور، وبدأت بإقامة بعض المؤسسات الجامعة على مستوى العالم الإسلامي، وعقد المؤتمرات الشعبية التي تعاظم أمرها إلى درجة اضطر معها الرسميون في عالم المسلمين إلى رفع شعارات الوحدة العربية، والوحدة الإسلامية، بعد أن كاد بعث الكيانات الإقليمية يعصف بها، ويهدد تاريخ الأمة، ويمزق رقعة تفكيرها، ويقضي على وحدتها الشعورية الجامعة..
كما أنها استطاعت أن تعيد الجماهير المسلمة إلى الاعتزاز بالإسلام، والاستعلاء بالإيمان، وتجديد الأمل بقدرة الدين على مواجهة المشكلات المعاصرة بما له من تاريخ وتجربة، ولقد ساعد على ذلك عوامل كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، لعل من أهمها: سقوط الحضارة الغربية الأوروبية وعجزها عن الإجابة عن مشكلات الإنسان وإخفاق خريجي المدارس الاستعمارية وتلامذتها، الذين مكن لهم الاستعمار، من تحقيق أي أمل أو تقديم أي عمل للجماهير المسلمة، وأن ما طرح من شعارات وبدائل فكرية لم تخرج في الحقيقة عن أن تكون أقنعة اختبأت خلفها الطائفيات والإقليميات التي [ ص: 54 ] تحمل الكيد التاريخي للإسلام، أو وسائل للابتزاز السياسي وممارسة سلخ الجماهير عن إسلامها، أو الأمرين معا؛ رغم المحاولات المستميتة لجعل الهزائم انتصارات، وتقديم فلسفة المبررات، فقد تكرس الانفصال وبوركت التجزئة، وقامت المعارك بين العرب والمسلمين بعضهم بعضا.