القابلية للتراجع
ثم أعقب ذلك مرحلة الاعتزاز بالإسلام، والاستعلاء بالإيمان، وتبدلت المواقع، وانتقل المسلمون من مرحلة الدفاع هـذه إلى مرحلة التحدي، وخرج الإسلام منتصرا لتدخل الحضارة الأوروبية المادية قفص الاتهام، حيث بدأ سقوطها، وظهر زيفها، وباتت عاجزة عن تحقيق إنسانية الإنسان،.. فالإسلام دين الإنسان، فالإسلام دين الفطرة، والإسلام هـو الحضارة، [ ص: 65 ] والمستقبل لهذا الدين، وهو الطريق لخلاص البشرية من الطواغيت، وتحررها من العبوديات وتسلط الإنسان على الإنسان، والذي مورس تحت شتى العناوين والشعارات الزائفة، ليس على المستوى الإسلامي فقط، وإنما على المستوى الإنساني أيضا..
وفي تقديرنا أن المشكلة، كل المشكلة، تكمن الآن في محاولة إرجاع المسلمين إلى مواقع الفكر الدفاعي من قبل خصوم الإسلام مجتمعين على ما بينهم من تناقض، لأنهم أحسوا بأن الجسم الإسلامي بدأ يتحرك من جديد بعد هـذا السبات الطويل، وبدأ يخرج عن وصايتهم ويهدد مصالحهم، والمشكلة الأكثر خطورة الآن هـي: القابلية النفسية عند بعض المسلمين للتراجع إلى مواقع الفكر الدفاعي، ذلك أن مراكز صناعة الاهتمامات في العالم مستمرة في عملها، والتحذير من الصورة الإسلامية والصحوة الإسلامية أصبح ظاهرة ملفتة للنظر، وأن طرح المشكلات ووضع بعض التصرفات الشاذة تحت المجهر أصبح واضحا لكل ذي عينين، وذلك لإعادة المسلمين إلى مواقع الفكر الدفاعي..
ولسنا الآن بسبيل الاستقصاء للنماذج والأمثلة الكثيرة المطروحة على الساحة الإسلامية، من العودة إلى قضايا المرأة وحقوقها وعملها، والطلاق والتعدد، والهجوم على اللغة العربية بأكثر من أسلوب وفي أكثر من بلد إسلامي، لأن ذلك لا مجال به في هـذه العجالة التي تفترض الإشارة إلى القضايا والمشكلات، وإثارة الأذهان باتجاهها فقط، من هـنا كان لا بد من الوقوف عند بعض النماذج.
خصصت مجلة تايم في عددها الصادر يوم 16 نيسان (أبريل) 1979م موضوع الغلاف لصورة مؤذن يدعو المؤمنين إلى الصلاة، وجاء الموضوع تحت عنوان: (عودة المجاهد) وبعد الحديث عن ظاهرة انتشار الإسلام، والتحذير من هـذه الظاهرة في أكثر من منطقة، وأنها تمثل روح التعصب والعودة إلى هـمجية القرون الوسطى، قالت المجلة: إن الشعب المصري قد عاد من جديد إلى التلفظ بكلمات إسلامية مثل: إن شاء الله، وبسم الله، والحمد لله، عندما يركب السيارة أو يأكل.. إلخ.. ويقول الكاتب: إن الظاهرة لا يقودها إلا الشباب!!. [ ص: 66 ] وفي الجزائر : الصبي البالغ من العمر 14 سنة على اتصال دائم خمس مرات يوميا بجماعة تشرف عليه في المسجد..
وفي تونس : الطلاب يشنون حربا على الشر والرذيلة، وذلك بطلاء الصور العارية على الجدران، وكتابة آيات قرآنية..
وفي مصر : مئات من الطالبات الجامعيات يتحجبن ويطالبن بعدم الاختلاط..
حتى في ( إسرائيل ) هـناك إقبال على الإسلام من قبل الشباب. يقول ( رافي إسرائيلي ) وهو محاضر للدراسات الإسلامية في الجامعة العبرية في القدس:
إن هـناك اتجاها جديدا عند الشباب المسلم نحو الإسلام، مليء بالبهجة والسرور، إذ أصبح الإسلام قصة هـذا القرن.
وتقول ( مارفن زونيس ) الخبيرة اليهودية في جامعة شيكاغو: الإسلام يستعمل كوسيلة مدرعة لرد الضربة الثانية على الغرب، فقد بدأ المسلمون يحسون أن الغرب كان متحكما فيهم خلال المائة والخمسين سنة الماضية..
وفي عدد آخر يقول مراسل المجلة نفسها في القدس دافيد أيكمان: يلاحظ الزائر لجامعة (بير زيت) في الضفة الغربية المحتلة العديد من اللوحات واللاصقات والبيانات التي تبدأ بعبارة: بسم الله، من هـنا نبدأ.. وتختتم المجلة تحقيقها قائلة:
يبدو أن السلطات الإسرائيلية في الوقت الحاضر تدرك مدى معارضة الجماعات الإسلامية للاحتلال الإسرائيلي، وأنها ستجعل من هـذا الاحتلال على المدى البعيد عملية صعبة.
ويقول مسئول إسرائيلي في الضفة الغربية: إذا نمت وتطورت هـذه الجماعات فإنها ستكون نارا علينا..
وجذور هـذه القضايا، والتخويف منها، والهجوم عليها لتشويه الصورة الإسلامية ليس غائبـا عن كثير منا، فلا يزال أكثرنا يذكر أو يتذكر الضجة الرهيبة [ ص: 67 ] الرعيبة التي أثارتها الصحافة في الغرب في أعقاب نكبة حزيران 1967م من التحذير من عودة الجهاد إلى المنطقة، أو عودة ما يسمى بالتطرف أو التعصب الديني..
فالعدوان الإسرائيلي ليس قضية، واحتلاله الأرض ليس مشكلة، وترويع الآمنين لا يحرك ضميرا، وإقامة (إسرائيل) على الحقد والتعصب والعنصرية ليس أمرا ذا بال، إنما المشكلة، كل المشكلة، تكمن في عودة التعصب الديني للمسلمين؟!! وانبعاث روح الجهاد من جديد في الجسم الإسلامي!!. وفي هـذا ما فيه من الخطورة على المصالح الأجنبية.