تحديد الموقع الفاعل
إن لجوء المعلم في العملية التربوية لسلم العقوبات - مع تناسي أن العملية التعليمية والتربوية قائمة على الحوافز والمكافآت، وأن مشروعية العقوبات إنما تكون لحماية العملية التربوية التعليمية - عجز وفشل تربوي وعدم إدراك لأصل المهمة.. لذلك لا بد من تغيير صورة المسلم الداعية التي رسمها أعداء الإسلام في أذهان الناس على شكل معين، ذلك أن التضليل الإعلامي ترك الناس ضحايا القلق مما يعرفون عن الإسلام والمسلمين، وما يقدم لهم من صور ساهمنا بتقديمها لخصومنا، كما أسلفنا - وقد يكون ذلك عن إخلاص وحسن نية، بعيدا عن الإدراك والصواب.
والحقيقة التي لا مفر من الاعتراف بها أن الخطأ القاتل الذي ابتلينا به في هـذا العصر هـو العجز عن التحديد بدقة لموقع العمل الإسلامي والدعوة إلى الله الذي يمكننا معه أن نمتلك الفاعلية والتأثير، والخلط المخزن بين الأمنيات والإمكانات من خلال صورة المجتمع، وذلك لانعدام الرؤية الدقيقة لسلم المشكلات والاستسلام لأحلام اليقظة.. إن إعادة النظر من حين لآخر بسلم المشكلات وإعادة تصنيف هـذه المشكلات وترتيب الأولويات حماية للجهد، واغتنام لفرصة العمر وتوفر الطاقات، والموازنة الدقيقة بين الحاجات والإمكانات، وإعادة النظر بالموقع الذي يمكن أن يكون فيه الفرد المسلم والعاملون للإسلام، وإعادة النظر أيضا بوسائل الدعوة وتطويرها حسب حاجات العصر، ومن خلال مشكلاته، وعدم القفز من فوق السنن والنكوص في عملية البلاغ، وإهمال شرائط النهوض بها ووسائل الإبانة عنها التي هـي وظيفة المسلم الرئيسة، وقضيته المحورية، والتقدم في قضية الدعوة (البلاغ المبين) واكتشاف المنابر المؤثرة والمواقع الجديدة التي أخذت مكانا في المجتمع الحديث، واعتلاء هـذه المنابر العلمية والثقافية عن جدارة واختصاص، وجعل الاختصاص في خدمة العقيدة، والقدرة على الإبصار ودراسة شبكة العلاقات الاجتماعية، والاقتناع بأن التفوق العلمي والتخصص النادر الذي يتحصن صاحبه بالدين القويم هـو المطلوب لهذه الأمة لحل معضلة [ ص: 88 ] انفصال العلم عن الدين التي عانى منها الجيل الماضي.. أصبح قضية الحياة بالنسبة لمسلم اليوم، فلا مجال للسذج والبسطاء في عالم الأذكياء..
والأمر الذي لا بد للتنبيه عليه هـنا أننا بدعوتنا إلى تحديد موقع العمل الإسلامي من خلال الإمكانات المتاحة والظروف المحيطة لا يعني بحال من الأحوال عملية تقطيع للإسلام ووقوع في النظرة الجزئية التي تؤدي إلى النمو غير الطبيعي في بعض أطراف الجسم الإسلامي، وإنما الذي نريد له أن يكون واضحا هـو أننا ونحن نعيش الإسلام في الموقع المتاح لنؤدي مسئوليتنا كاملة لا نعدم القدرة على إبصار الساحة الكاملة التي يجب أن يملأها الإسلام، وأن يرتادها العاملون والدعاة إلى الله، وتبقى العملية المطلوبة أنه عند عدم القدرة على الحمل الثقيل نقوم بعملية التجزيء والتقسيم على مراحل وبالتدريج، والمهم أن تكون الخطوة التي نملكها في طريق الصواب، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها..
نعود إلى التذكير بأن المهمة الأصلية بالنسبة للدعاة هـي البلاغ المبين، فهو حياتهم في الدنيا، وهاجسهم الدائم، وهو نجاتهم في الآخرة، ولا نجاة بدونه، وأن ديدن المسلم هـداية الخلق وعدم الحقد عليهم، وشعاره قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( عسى أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا ) .
لا بد من إعادة النظر بوسائلنا في الدعوة إلى الله.. وإعادة المسلم إلى صورته الحقيقية التي جاء بها الإسلام، وتقديم الدليل على أن الإسلام دين الرحمة والحب للإنسان، وليس هـو الإسلام الذي صنعت صورته المخيفة وسائل الإعلام المعادية..
[شوال: 1403 هـ - تموز (يوليه) : 1983م] [ ص: 89 ]