حضارة الهداية والأمن
لقد كانت قولة الأنبياء جميعا على طريق الدعوة إلى الله: ( فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله ) (يونس: 72) وما من الأنبياء نبي إلا كانت له حرفة يعيش منها، لذلك فمن المعالم الأساسية على طريق النبوة أن الحضارة الإسلامية حضارة هـداية وليست وسيلة جباية.. ومن هـنا فإن عملية الاحتراف بالإسلام والأكل به وقبض ثمن الدعوة الإسلامية والعمل الإسلامي من أخطر التحديات التي تهدد الكيان الإسلامي وتواجه عالم المسلمين اليوم، والفرق بعيد بين الذين يدفعون ثمن عقيدتهم، وتكون حركتهم محكومة بقولة الأنبياء ( قل لا أسألكم عليه أجرا ) (الأنعام:90) وعمل الأنبياء ويكون نشاطهم كله في سبيل الله، ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) (الأنعام: 162) وبين الذين يحاولون قبض ثمن الدعوة سواء أكان ذلك من داخل العمل أم من خارجه، فالهجرة الإسلامية إنما هـي هـجرة هـداية وليست هـجرة جباية فمن كانت هـجرته لله ورسوله فهجرته لله ورسوله، ومن كانت هـجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هـاجر إليه. لقد انسلك مع المهاجرين وسار معهم وفي طريقهم.. لكن هـجرته كانت للجباية.. لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها.
إن حضارة الأمن والهداية للناس لا يمكن أن تأتي بالأماني والأحلام والادعاء، وإنما هـي جهد ومعاناة وتضحية ابتغاء وجه الله وعدم استعجال وارتجال. [ ص: 134 ]
قال خباب بن الأرت رضي الله عنه : ( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فلقنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هـذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ) .
إنها حضارة الأمن والهداية، وليست جاهلية الإرهاب الفكري، والجباية والحقد، إن إتمام الأمر إنما يكون بتحصيل الأمن للناس وهو أول شروط الحضارة والعطاء، وهذا يذكرنا أيضا بقولة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد عودته من الهجرة إلى الطائف وبعد أن كان الذي كان من العذاب وبعد أن عرض عليه ملك الجبال إيقاع العقوبة بالناس: ( عسى أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا ) .