صراع ديني حضاري بحماية عسكرية
إن الغزو الإسرائيلي الذي يشكل أحدث حلقة في الغزو الاستعماري التاريخي لعالمنا الإسلامي ليس عملا عسكريا استيطانيا فحسب، وإنما هـو غزو فكري ثقافي، وصراع ديني حضاري بحماية عسكرية وعنصر بشري استيطاني مزود برؤية دينية توراتية وتفوق تكنولوجي عالمي.. من هـنا فإنه يختلف عن الحملات الصليبية والغزو الاستعماري التاريخي كله الذي مر بالعالم الإسلامي.
وإن نظرة بسيطة على مناهج التعليم في الأرض المحتلة، والصورة المشوهة التي تقدمها الخطة التعليمية عن الثقافة الإسلامية والدين الإسلامي، التي تقدم [ ص: 187 ] للطلبة المسلمين، والتهويد الثقافي الذي تمارسه مؤسسات التعليم والإعلام صباح مساء.. ترينا أن العملية أخطر بكثير من احتلال الأرض، ذلك أن احتلال إسرائيل للنفوس هـو الذي يمكنها دائما من احتلال الأرض، وإذا لم نستطع إخراج إسرائيل من نفوسنا، بالقيام بعملية تنقية ومطاردة لصور التهويد في حياتنا، فسوف لا نستطيع إخراجها من أرضنا..
إن عملية التهويد في الأرض المحتلة، وحذف أية كلمة في مناهج التعليم تتعرض ليهود، أو تتكلم عن أخلاقهم أو مواقفهم التاريخية، والتطبيع الثقافي في الأراضي المرشحة للاحتلال هـو المطلب الإسرائيلي الأول في المعاهدات والمفاوضات قبل الأمن وقبل الانسحاب.. إنها تستعمل العسكرية وسيلة لا بد منها لفتح الطريق أمام الغزو الثقافي، ولفتح الخروق في الحياة الثقافية الإسلامية لتبدأ عملية الانهيار النفسي بعد انهيار الجدار العسكري..
إن إسرائيل تدرك هـذا تماما، وتعمل له، وتعتبره في رأس قائمة المطلوبات، والمفاوضات التي جرت في لبنان بعد الغزو هـي الصورة الأحدث حيث تقرر إسرائيل أن مسألة تطبيع العلاقات يجب أن تبحث قبل الأمن، وقبل الانسحاب، لأن الحكومة الإسرائيلية تعلق على ذلك أهمية بالغة وتجتمع له، في الوقت نفسه تقدم المدرسين لتعليم اللغة العبرية في مدارس جنوبي لبنان، وتطلب إلى أعضاء الكنيست تلقي دروسا باللغة العربية استعدادا لمرحلة ما بعد الصلح، وتنظم لهم دورات تستمر ثلاثة أشهر، ويؤكد وزير المعارف (زفلون هـامر) في كلمته أثناء افتتاح الدورة الأولى أهمية تعلم اللغة العربية خاصة بعد توقيع معاهدات السلام، ويقول: (إنه يأمل أن يحذو الإسرائيليون حذو أعضاء الكنيست في تعلمها..)