الاعتصام بالكتاب
( .. قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله.. )
لا حاجة إلى القول: إن القرآن الكريم كتاب الله، وإن الذي خلق الإنسان أعلم بما يحقق سعادته ويحميه من الضياع والضنك، إنها القيم الثابتة البعيدة عن وضع البشر وتحكم الأهواء وتحقيق السيطرة والاستغلال، وتحقيق مصلحة لطبقة أو طائفة أو فرد.. ذلك أن معظم الشر في العالم مرده تسلط الإنسان على الإنسان ولا بد لإيقاف هـذا التسلط من أن تستمد القيم من الله الخالق وليس من بعض مخلوقاته.
إن كثيرا من القيم الوضعية في عالمنا المعاصر أشبه بدمى الأطفال، يحكمها الناس ويشكلونها على الصورة التي يختارونها، وتبقى محل نزاع وخصام، يفرضها الأقوياء ويتوهمون أنها تحقق مصالحهم، وما أسهل ما يغيرونها ويبدلونها تبعا لأهوائهم، وتبقى عاجزة عن حكم الناس، ويبقى أصحابها عاجزين عن تحقيق الاحترام لها والالتزام بها من بقية الناس؛ ذلك أن الالتزام بها يبقى طاعة للمخلوق، أما كتاب الله، فهو القيم الثابتة التي تحكم الناس ولا يحكمها الناس، يخف الإنسان للالتزام بها بوازع لا يمكن أن يتحقق لغيرها، فالطاعة لله الخالق العليم المحاسب الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.. وفي الاعتصام بالكتاب عصمة من الخطأ، وأمن من الضلال، والشاهد التاريخي: إن التزام العرب المسلمين واعتصامهم بالقرآن الكريم كان سبيل وحدتهم وحضارتهم، وإن الحيدة عنه كانت سبب فشلهم وتخلفهم وفرقتهم، والواقع يشهد بذلك أيضا، والله عز وجل يقول:
( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) (الأنفال: 46) لقد اعتبرت الآيات أن العدول عن طاعة الله ورسوله موقع في النزاع، لتعدد الأهواء والآراء..
وبعد: فإنه نداء خطبة الوداع نوجهه لعالم المسلمين اليوم ليبلغ الشاهد منهم الغائب، فلعله يحقق المراجعة المطلوبة، والاستقامة على الطريق، والاستجابة لنداء سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ..
[ذو الحجة :1403هـ - أيلول (سبتمبر) : 1983] [ ص: 201 ]