9- التغيير الاجتماعي
. رأينا في فصل سابق من هـذه الدراسة أن سنن الله في الخلق تتصف بالعموم والشمول، وأنها لا تحكم عالم المادة فحسب، بل تحكم كل ما في هـذا الوجود من مخلوقات، وكل ما يجري فيه من أحداث.. ومن ذلك حياة المجتمعات البشرية، التي تخضع كذلك لسنن صارمة مطردة، لا تتخلف نتائجها عن أسبابها.
وقد بين الله عز وجل في محكم تنزيله السنن الأساسية، التي على نهجها تمضي سيرة المجتمعات، فتسمو أو تنحط أو تبيد.. وقد كان لهذا التوجيه الرباني الحكيم تأثير عظيم في تكوين الأمة الإسلامية منذ نشأتها، فقد أولى المسلمون منذ بداية الدعوة جل اهتمامهم لتلك السنن، وكانوا يسترشدون بها في شئون حياتهم المختلفة، مما أدى بالنتيجة إلى تماسك المجتمع الإسلامي الوليد حينذاك، وأدى كذلك إلى ترسيخ المفاهيم الحضارية في كل المجتمعات، التي دخلها الإسلام بعد ذلك.
ويعد العلامة ( ابن خلدون ) صاحب الفضل الأكبر في وضع الأصول الأولى لعلم الاجتماع، إذ كان من أوائل الدارسين الاجتماعيين، الذين أقاموا دراساتهم على أساس من فهم السنن الاجتماعية، وقد استطاع ابن خلدون بفضل ثقافته القرآنية العميقة، واطلاعه الواسع على التاريخ، أن يعرض في ( المقدمة ) التي كتبها لدراسته التاريخية عددا من السنن الاجتماعية بأسلوب علمي موضوعي.
وبدءا من دراسات ابن خلدون، بدأ علماء الاجتماع يلتفتون إلى دراسة [ ص: 148 ] أحوال الأمم والشعوب، وفق المنهج الذي وضعه ابن خلدون نفسه، فلاحظوا أن أي تغيير اجتماعي لا يتم إلا من بعد أن تتوافر الشروط الأولية الخاصة به، وبمعنى آخر: فإن سنن التغيير الاجتماعي – شأنها شأن أية سنة من السنن الربانية – لا تتم إلا إذا توافرت شروطها، وانتفت الموانع التي تحول دون تحقيقها.
وعلى هـذا الأساس نستطيع أن نحدد أهم الشروط التي تتطلبها سنة التغيير، مسترشدين في ذلك بأمثلة واقعية موثوقة رواها القرآن الكريم عن الأمم الغابرة، وبخاصة منها الأمم التي بعث الله عز وجل إليها رسله، يدعونها للالتزام بمنهج الله وشريعته – على أساس أن هـذا الالتزام هـو الطريق القويم لتغيير المجتمع، وتأهيله للقيام بمهمة الاستخلاف خير قيام.