الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مناقشة تأثير العامل الزمني على عملية التغيير

.. ونلاحظ أن القضاء الجماعي على الكفار، قد تكرر في هـاتين القصتين: قصة قوم نوح، لما تأت عاجلة، كما أتت في قصة أصحاب القرية، [ ص: 159 ] بل جاءت بعد سنوات طويلة جدا ظل نوح خلالها يدعو قومه للإيمان بدعوة التوحيد، ولكنهم لم يؤمنوا، إلا نفرا قليلا منهم، آمنوا بالدعوة إيمانا راسخا كالجبال، وهذا الإيمان هـو الذي رشحهم لاختيار الله عز وجل ، وجعلهم نواة البشرية القادمة من بعدهم.. فقد حق في ميزان الله لهذه الدعوة، التي استمرت نحوا من ألف عام تنافح أهل الشرك والكفر.. حق لها أن تسود الأرض، وأن يكون تاريخ البشرية منذ ذلك الوقت هـو تاريخ هـؤلاء المؤمنين ومن جاء من أصلابهم

وأما الرجل الصالح، فلم يؤمن معه من أصحاب القرية أحد؛ لأن الزمن – على ما يظهر من السياق – لم يتح له أن يكسب أحدا إلى صف الدعوة، فانتهت دعوته من ثم بانتهاء حياته هـو.. ومن هـنا يمكن أن نلاحظ تأثير العامل الزمني على نتائج التغيير، فقد انتهت دعوة هـذا الرجل الصالح باستشهاده وهلاك القرية من بعده، وطوى الزمان صفحة الداعية والقوم إلى غير رجعة

وأما دعوة نوح عليه السلام فقد انتهت نهاية مختلفة تماما، إذ تم بها استئصال شأفة الكفر من على وجه الأرض، وأورث الله الأرض للمؤمنين..

وتوحي هـذه المقارنة بين القصتين كما حكاهما القرآن الكريم، بأن التغيير النوعي في المجتمع يتطلب فترة زمنية كافية حتى يكتمل، ويؤتي ثماره ناضجة سائغة.. وأما محاولة حرق المراحل، واستعجال التغيير، قبل استكمال شروطه وأركانه، فإنه غالبا ما يجهض المحاولة من أساسها، وينسف الشروط الأولية التي بدأت منها، وقد يحول دون توفر هـذه الشروط مرة أخرى..

ولا غرو في هـذا، فإن التغيير الاجتماعي يرتبط أساسا بتغيير ما بالأنفس، وفق السنة الربانية التي عنوانها ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) (الرعد: 11) ، ومن المعلوم أن النفس البشرية ذات تركيب معقد، ومن ثم يتطلب تغيير ما فيها شروطا كثيرة، كما أن هـناك عوامل عديدة يمكن أن تؤثر في النفس، وتحول دون التغيير، ومن ذلك مثلا: تأثير الأهواء الشخصية، [ ص: 160 ] والنزاعات العصبية، والصراعـات الفكرية.. وغيرها.

تنبيه:

غير أن مطالبتنا بمراعاة الزمن من أجل التغيير، وتحذيرنا من خطورة حرق المراحل واستعجال الثمرات، لا يعني أن نهمل العامل الزمني، ولا أن نعلل أنفسنا بأن زمن التغيير لم يحن بعد، فنقعد غير آبهين بالساعات والأيام والسنوات التي تمر.. فإن الزمن قد يفعل في عملية التغيير فعلا مغايرا لما نريد، فهو سلاح ذو حدين كما يقولون؛ لأنه – من جهة – لازم لإنضاج عملية التغيير، وبلوغها الغاية المرجوة، ولكنه – من جهة أخرى – قد يسيء إلى هـذه العملية، إذا لم نستفد منه، ونصرفه بطريقة حكيمة، لا إفراط فيها ولا تفريط.. ونعود من جديد إلى رحاب القرآن.

التالي السابق


الخدمات العلمية