الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مشروع عمل .. ويمكن من خلال ما قدمناه أن نخرج بتصور مبدئي يعد ( مشروع عمل ) تحدد فيه السمات الأساسية لأسلوب التعامل مع المشكلات والأزمات، التي نرى فيها مسوغا للاجتهاد، وذلك على النحو التالي:

1 – أن نؤمن إيمانا راسخا بأن المشكلة التي بين أيدينا ( أيا ما كانت هـذه المشكلة ) قابلة للحل، فمثل هـذا النظر إلى المشكلة، يجعلنا نتعامل معها بصورة إيجابية تستمد عزمها من أملنا بالوصول إلى حل ما، في نهاية المطاف.

2 – أن ندرك بأن لكل أمر أو حادث سنة مخصوصة تحكمه، لا يتم إلا من خلالها، ولا يمكن أبدا أن يتم على تمامه بغيرها من السنن.

3 – أن نعرف المشكلة التي هـي موضوع بحثنا، ونجمع المعلومات المتعلقة بها، حتى نحيط بالمشكلة من جوانبها جميعا.

4 – نصنف المعلومات التي تجمعت لدينا، ثم نعهد لأهل الاختصاص بدراستها، عملا بالقاعدة الأصولية التي أرستها آيات كثيرات من القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى: ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطـونه منهم ولولا فضـل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ) (النساء: 83) .. فإن كانت المشكلة اقتصادية عهدنا بها إلى أهل الاقتصاد، وإن كانت سياسية أوكلنا أمرها إلى أمراء السياسة والحكم، وإن كانت طبية استشرنا الأطباء في علاجها، وإن كانت حربا أو سلما استنفرنا رجـال الحرب وقوادها ليروا فيها رأيهم.. وهكذا. [ ص: 146 ] وكل ذلك مشروط بالتوجيه الرباني الداعي للسير في الأرض، والنظر في السنن التي فطر الله عليها أمور خلقه، على أمل أن نصل لمعرفة السنة التي تحكم المشكلة.

5 – فإذا ما علمنا السنة التي تحكم المشكلة، نكون قد توصلنا إلى الحل المثالي لها، وعندئذ يصبح لزاما علينا أن نراعي هـذه السنة، ما دمنا راغبين في الحل.

6 – وأما إذا لم نستطع أن نعرف السنة المتعلقة بالمشكلة، فإن علينا مواصلة البحث والدراسة، وتبادل الآراء، من غير تعنت يشق الصف، ويعمق النزاع الذي يؤدي حتما إلى الفشل، كما قال تعالى: ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) (الأنفال: 46) .. وإن لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نظرة عميقة في هـذه المسألة، إذ قال: ( ولكن الاجتهاد السائغ لا يبلغ مبلغ الفتنة والفرقة إلا مع البغي، لا لمجرد الاجتهاد، كما قال تعالى: ( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ) (آل عمران: 19) ، فلا يكون فتنة وفرقة مع وجود اجتهاد سائغ، بل مع نوع بغي، ولهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال في الفتنة، وكان ذلك من أصول السنة ) [1] .

والخلاصة.. إن البحث في مشكلاتنا المعاصرة على ضوء سنة الله في الخلق، يجب أن يكون أصلا ومنطلقا للخروج من أزمتنا الحضارية، وهذا المنهج في الحل ينسجم مع المنهج الرباني، الذي فطر الله عليه أمور خلقه، وهو الطريق الأقوم لتوحيد الفكر، الذي يحقق للأمة وحدتها وتماسكها.. ومادام الأمر كذلك، فإن واجبنا اليوم تركيز اجتهادنا في بيان سنن الله، وتجنيد طاقاتنا المختلفة في هـذا الاتجاه، [ ص: 147 ] بدل الاستمرار في إهدارها بالبحث النظري المجرد الذي كثيرا ما يجعل الاجتهاد يدور في ساحة غير ساحته.

التالي السابق


الخدمات العلمية