الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
خوارق

سنة الله في الخلق

.. تحدثنا في الفصول السابقة عن خصائص السنن، التي فطر الله عليها أمور الخلق، وبينا أن هـذه السنن تتصف بثلاث خصائص رئيسة هـي الشمولية، والثبات، والاطراد، وأكدنا أن هـذه الخصائص تجعل من السنن قوانين صارمة لا تتبدل ولا تتحول، ولا قدرة للإنسان على أن يبدلها ويحولها أبدا..

فهل يعني هـذا أن السنن مازالت على حالها، منذ أن خلق الله الخلق، وقدر السنن؟ أم أن السنن تبدلت في وقت ما؟ أو عطلت في مكان ما؟ وهل كل السنن ثابتة أم بعضها الثابت فقط ؟ وما علاقة الخوارق التي شهدتها البشرية في بعض الأزمان بالسنن؟ هـذه الأسئلة وغيرها، سنحاول الإجابة عنها في هـذا الفصل، الذي نتحدث فيه عن بعض الظروف الاستثنائية، التي يحصل فيها خرق للسنن، وخروج عن مألوف البشر..

ولكن قبل أن نستعرض هـذه الاستثناءات من قانون السنة، نود أن ننبه إلى أن هـذه الاستثناءات قد تكون حقيقية، أي أن تقوم على تبدل حقيقي في سنة كونية ما، لحكمة يريدها الله عز وجل ، وقد يكون الاستثناء غير حقيقي، أي أن نتوهم نحن البشر حدوث تبدل في السنة دون أن يكون لذلك حقيقة.

ومن الحقائق الأولية التي لا بد من التذكير بها قبل مناقشة هـذا الموضوع، أن خالق السنن ومقدرها هـو الله عز وجل ، فهو سبحانه الذي قدر أسبابها، وهو الذي يقدر نتائجها.. وما صفة الثبات في السنن، وارتباط نتائجها بأسبابها إلا بقدر من الله عز وجل .. ومن ثم فليس في استطاعة أحد من الخلق أن يخرق سنة من السنن، أو يبدل فيها، فهذا لا يكون إلا بمشيئة الله وحده، متى شاء، وكيف شاء.. وقد شاءت حكمته سبحانه أن يخرق بعض السنن، في بعض الظروف الخاصة، ليدلل بهذا على طلاقة قدرته [ ص: 96 ] من كل قيد، وليدلل كذلك على أنه خالق هـذه السنن، وأنه وحده المسيطر عليها، إن شاء خرقها، أو بدلها، أو عطلها..

وأذكر أن أول ما لفت انتباهي شخصيا لمسألة الخوارق ما شاهدته في بيت أحد أصدقائي، فقد شاءت حكمة الله عز وجل أن يرزق هـذا الصديق بثلاثة أولاد أسوياء الخلقة، فقد حباهم الله بجمال ونضارة قل مثيلها بين البشر، ثم شاءت حكمته سبحانه أن تلد زوجة الصديق طفلة لم تكن على هـيئة البشر، بل كانت مسخا أقرب في شكلها وتكوينها إلى هـيئة بعض الحيوان.. فخيل إلي وقتذاك أن ولادة الطفلة على تلك الهيئة يمثل خرقا للسنن، التي تتحكم في خلق وتصوير الجنين البشري.. غير أنني - بعد دراستي لعلم الجنين ومعرفتي بالتشوهات، والتي قد تطرأ على الأجنة أثناء تخلقها - عرفت أن المسخ لا يمثل خرقا للسنن التي تحكم نمو الأجنة، وإنما هـو يحدث من تأثير عوامل خارجية تعيق عملية الخلق والنمو.. وقد أصبح الكثير من هـذه العوامل معروفا اليوم للأطباء وعلماء الأجنة [1]

الذين أصبحوا قادرين - بإذن الله - على درء كثير من التشوهات الجنينية نتيجة لهذه المعرفة.

والواقع.. أن معظم ما نشاهده في حياتنا من خوارق هـو من قبيل هـذه الحادثة التي ذكرناها.. أي أن معظم الخوارق التي نراها لا تشكل خرقا حقيقيا للسنن، وإنما هـي تحدث نتيجة أسباب قد تخفى علينا، وقد نعلمها.. ونستعرض فيما يلي أشهر الخوارق التي عرفها البشر لنبين علاقتها بالسنن التي فطر الله عليها أمور خلقه [ ص: 97 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية